لقصد زيادة ذم الملأ بوصف الكفر ، كما ذم فيما سبق بوصف الاستكبار.
ووصف (الْمَلَأُ) هنا بالكفر لمناسبة الكلام المحكي عنهم ، الدال على تصلّبهم في كفرهم ، كما وصفوا في الآية السابقة بالاستكبار لمناسبة حال مجادلتهم شعيبا ، كما تقدم ، فحصل من الآيتين أنّهم مستكبرون كافرون.
والمخاطب في قوله : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) هم الحاضرون حين الخطاب لدى الملإ ، فحكي كلام الملأ كما صدر منهم ، والسياق يفسر المعنيين بالخطاب ، أعني عامّة قوم شعيب الباقين على الكفر.
(واللام) موطّئة للقسم. و (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) جواب القسم وهو دليل على جواب الشرط محذوف ، كما هو الشأن في مثل هذا التركيب.
والخسران تقدم عند قوله تعالى : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ) في سورة الأنعام [١٤٠]. وهو مستعار لحصول الضر من حيث أريد النفع ، والمراد به هنا التحذير من أضرار تحصل لهم في الدنيا من جراء غضب آلهتهم عليهم ، لأن الظاهر أنّهم لا يعتقدون البعث ، فإن كانوا يعتقدونه ، فالمراد الخسران الأعم ، ولكن الأهم عندهم هو الدنيوي.
(والفاء) في : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) للتعقيب ، أي : كان أخذ الرجفة إياهم عقب قولهم لقومهم ما قالوا.
وتقدم تفسير : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) في نظيرها من قصة ثمود.
والرجفة التي أصابت أهل مدين هي صواعق خرجت من ظلة ، وهي السحابة ، قال تعالى في سورة الشعراء [١٨٩]. (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) ، وقد عبر عن الرجفة في سورة هود بالصيحة فتعين أن تكون من نوع الأصوات المنشقة عن قالع ومقلوع لا عن قارع ومقروع وهو الزلزال ، والأظهر أن يكون أصابهم زلزال وصواعق فتكون الرجفة الزلزال والصيحة الصاعقة كما يدل عليه قوله : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا).
وجملة : (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً) مستأنفة ابتدائية ، والتعريف بالموصولية للإيماء إلى وجه بناء الخبر ، وهو أن اضمحلالهم وانقطاع دابرهم كان جزاء لهم على تكذيبهم شعيبا.
ومعنى : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) تشبيه حالة استيصالهم وعفاء آثارهم بحال من لم