والبركات : جمع بركة ، والمقصود من الجمع تعددها ، باعتبار تعدد أصناف الأشياء المباركة. وتقدم تفسير البركة عند قوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) في سورة الأنعام [٩٢]. وتقدم أيضا في قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) في سورة آل عمران [٩٦]. وتقدم أيضا في قوله تعالى : (تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) في هذه السورة [٥٤] ، وجماع معناها هو الخير الصالح الذي لا تبعة عليه في الآخرة فهو أحسن أحوال النعمة ، ولذلك عبر في جانب المغضوب عليهم المستدرجين بلفظ (الْحَسَنَةَ) بصيغة الإفراد في قوله : (مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) وفي ج [الأعراف : ٩٥] أنب المؤمنين بالبركات مجموعة.
وقوله : (مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) مراد به حقيقته ، لأن ما يناله الناس من الخيرات الدنيوية لا يعدو أن يكون ناشئا من الأرض ، وذلك معظم المنافع ، أو من السماء مثل ماء المطر وشعاع الشمس وضوء القمر والنجوم والهواء والرياح الصالحة.
وقوله : (وَلكِنْ كَذَّبُوا) استثناء لنقيض شرط (لو) فإن التكذيب هو عدم الإيمان فهو قياس استثنائي.
وجملة : (فَأَخَذْناهُمْ) متسببة على جملة : (وَلكِنْ كَذَّبُوا) وهو مثل نتيجة القياس ، لأنه مساوي نقيض التالي ، لأن أخذهم بما كسبوا فيه عدم فتح البركات عليهم.
وتقدم معنى الأخذ آنفا في قوله تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) [الأعراف : ٩٥] ، والمراد به أخذ الاستئصال.
والباء للسببية أي بسبب ما كسبوه من الكفر والعصيان.
(والفاء) في قوله : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) عاطفة أفادت الترتب الذكري ، فإنه لما ذكر من أحوال جميعهم ما هو مثار التعجيب من حالهم أعقبه بما يدل عليه معطوفا بفاء الترتب. ومحل التعجيب هو تواطؤهم على هذا الغرور ، أي يترتب على حكاية تكذيبهم وأخذهم استفهام التعجيب من غرورهم وأمنهم غضب القادر العليم.
وقد تقدم الكلام على مثل هذا التركيب عند قوله تعالى : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ) في سورة البقرة [٨٧].
وجيء بقوله : (يَأْتِيَهُمْ) بصيغة المضارع لأن المراد حكاية أمنهم الذي مضى من إتيان بأس الله في مستقبل ذلك الوقت.