كالحاضرة المشاهدة الصالحة لأن يشار إليها ، فجاء اسم الإشارة لزيادة إحضارها في أذهان السامعين من قوم محمد صلىاللهعليهوسلم ، ليعتبروا حالهم بحال أهل القرى ، فيروا أنهم سواء فيفيئوا إلى الحق.
وجملة : (تِلْكَ الْقُرى) مستأنفة استئناف الفذلكة لما قبلها من القصص من قوله : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) [الأعراف : ٥٩] ثم قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ) نبيء [الأعراف : ٩٤] الآية.
و (الْقُرى) يجوز أن يكون خبرا عن اسم الإشارة لأن استحضار القرى في الذهن بحيث صارت كالمشاهد للسامع ، فكانت الإشارة إليها إشارة عبرة بحالها ، وذلك مفيد للمقصود من الإخبار عنها باسمها لمن لا يجهل الخبر كقوله تعالى : (هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) [التوبة : ٣٥] أي هذا الذي تشاهدونه تكوون به هو كنزكم ، وهم قد علموا أنه كنزهم ، وإنما أريد من الإخبار بأنه كنزهم إظهار خطإ فعلهم ، ويجوز أن يكون القرى بيانا لاسم الإشارة.
وجملة : (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها) إما حال من (الْقُرى) على الوجه الأول.
وفائدة هذه الحال الامتنان بذكر قصصها ، والاستدلال على نبوءة محمد صلىاللهعليهوسلم ، إذ علمه الله من علم الأولين ما لم يسبق له علمه ، والوعد بالزيادة من ذلك ، لما دل عليه قوله : (نَقُصُ) من التجدد والاستمرار ، والتعريض بالمعرضين عن الاتعاظ بأخبارها.
وإمّا خبر عن اسم الإشارة على الوجه الثاني في محمل قوله : (الْقُرى).
و (من) تبعيضية لأن لها أنباء غير ما ذكر هنا مما ذكر بعضه في آيات أخرى وطوى ذكر بعضه لعدم الحاجة إليه في التبليغ.
والأنباء : الأخبار ، وقد تقدم في قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) في سورة الأنعام [٣٤].
والمراد بالقرى وضمير أنبائها : أهلها ، كما دل عليه الضمير في قوله : (رُسُلُهُمْ).
وجملة : (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) عطف على جملة : (تِلْكَ الْقُرى) لمناسبة ما في كلتا الجملتين من قصد التنظير بحال المكذبين بمحمد صلىاللهعليهوسلم.
وجمع «البينات» يشير إلى تكرر البينات مع كل رسول ، والبينات : الدلائل الدالة