والظلم : الاعتداء على حق الغير ، فيجوز أن يكون (فَظَلَمُوا) هنا على أصل وضعه وتكون الباء للسببية ، وحذف مفعول (ظلموا) لقصد العموم ، والمعنى : فظلموا كل من له حق في الانتفاع بالآيات ، أي منعوا الناس من التصديق بها وآذوا الذين آمنوا بموسى لمّا رأوا آياته ، كما قال تعالى : (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) ـ إلى قوله ـ (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) [الأعراف : ١٢٣ ، ١٢٤] الآية.
وظلموا أنفسهم إذ كابروا ولم يؤمنوا ، فكان الظلم بسبب الآيات أي بسبب الاعتراف بها.
ويجوز أن يكون ضمّن (فَظَلَمُوا) معنى كفروا فعدّي إلى الآيات بالباء ، والتقدير : فظلموا إذ كفروا بها ، لأن الكفر بالآيات ظلم حقيقة ، إذ الظلم الاعتداء على الحق فمن كفر بالدلائل الواضحة المسماة (آيات) فقد اعتدى على حق التأمل والنظر.
والفاء في قوله : (فَانْظُرْ) لتفريع الأمر على هذا الإخبار ، أي : لا تتريّث عند سماع خبر كفرهم عن أن تبادر بالتدبّر فيما سنقص عليك من عاقبتهم.
والمنظور هو عاقبتهم التي دل عليها قوله : (فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) [الأعراف : ١٣٦] وهذا النظر نظر العقل وهو الفكر المؤدّي إلى العلم فهو من أفعال القلوب.
والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمراد هو ومن يبلغه ، أو المخاطب غير معين وهو كل من يتأتى منه النظر والاعتبار عند سماع هذه الآيات ، فالتقدير : فانظر أيها الناظر ، وهذا استعمال شائع في كل كلام موجه لغير معين.
ولما كان ما آل إليه أمر فرعون وملئه حالة عجيبة ، عبر عنه ب (كيف) الموضوعة للسؤال عن الحال ، والاستفهام المستفاد من (كيف) يقتضي تقدير شيء ، أي : انظر عاقبة المفسدين التي يسأل عنها بكيف.
وعلّق فعل النظر عن العمل لمجيء الاستفهام بعده ، فصار التقدير : فانظر ، ثم افتتح كلاما بجملة (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) ، والتقدير في أمثاله أن يقدر : فانظر جواب كيف كان عاقبة المفسدين.
والعاقبة : آخر الأمر ونهايته ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) في سورة الأنعام [١١].