عطف الجملة بحرف (ثُمَ) من التراخي الرتبي وهو ملازم لها إذا عطفت بها الجمل. فحرف (ثم) هنا مستعمل في معنيي المهلة الحقيقي والمجازي.
والضمير في قوله : (مِنْ بَعْدِهِمْ) يعود إلى القرى ، باعتبار أهلها ، كما عادت عليهم الضمائر في قوله (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ) الآيتين [الأعراف : ١٠١].
والباء في (بِآياتِنا) للملابسة ، وهي في موضع الحال من موسى ، أي : مصحوبا بآيات منا ، والآيات : الدلائل على صدق الرسول ، وهي المعجزات ، قال تعالى : (قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) [الأعراف : ١٠٦ ، ١٠٧].
و (فِرْعَوْنَ) علم جنس لملك مصر في القديم ، أي : قبل أن يملكها اليونان ، وهو اسم من لغة القبط. قيل : أصله في القبطية (فاراه) ولعل الهاء فيه مبدلة عن العين فإن (رع) اسم الشمس فمعنى (فاراه) نور الشمس لأنهم كانوا يعبدون الشمس فجعلوا ملك مصر بمنزلة نور الشمس ، لأنه يصلح الناس ، نقل هذا الاسم عنهم في كتب اليهود وانتقل عنهم إلى العربية ، ولعله مما أدخله الإسلام ، وهذا الاسم نظير (كسرى) لملك ملوك الفرس القدماء ، و (قيصر) لملك الروم ، و (نمرود) لملك كنعان ، و (النجاشي) لملك الحبش ، و (تبع) لملك ملوك اليمن ، و (خان) لملك الترك.
واسم فرعون الذي أرسل موسى إليه : منفطاح الثاني ، أحد ملوك العائلة التاسعة عشرة من العائلات التي ملكت مصر ، على ترتيب المؤرخين من الإفرنج وذلك في سنة ١٤٩١ قبل ميلاد المسيح.
والملأ : الجماعة من علية القوم ، وتقدم قريبا ، وهم وزراء فرعون وسادة أهل مصر من الكهنة وقواد الجند ، وإنما خص فرعون وملأه لأنهم أهل الحل والعقد الذين يأذنون في سراح بني إسرائيل ، فإن موسى بعثه الله إلى بني إسرائيل ليحررهم من الرق الذي كانوا فيه بمصر ، ولما كان خروجهم من مصر متوقفا على أمر فرعون وملئه بعثه الله إليهم ليعلموا أن الله أرسل موسى بذلك ، وفي ضمن ذلك تحصل دعوة فرعون للهدى ، لأن كل نبيء يعلن التوحيد ويأمر بالهدى ، وإن كان المأمور من غير المبعوث إليهم حرصا على الهدى إلّا أنّه لا يقيم فيهم ولا يكرر ذلك ، والفاء في قوله : (فَظَلَمُوا) للتعقيب أي فبادروا بالتكذيب.