لاستطاعة قهرهم لأن الاعتلاء على الشيء أقوى أحوال التمكن من قهره ، فهي تمثيلية.
وجملة : (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) واقعة جوابا لقول قومه (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) [الأعراف : ١٢٥] إلى آخرها الذي أجابوا به عن وعيد فرعون ، فكان موسى معدودا في المحاورة ، ولذلك نزل كلامه الذي خاطب به قومه منزلة جواب منه لفرعون ، لأنه في قوة التصريح بقلة الاكتراث بالوعيد ، وبدفع ذلك بالتوكل على الله.
والتوكل هو جماع قوله : (اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا) وقد عبر عن ذلك بلفظ التوكل في قوله : (وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) في سورة يونس [٨٤] ، فإن حقيقة التوكل أنه طلب نصر الله وتأييده في الأمر الذي يرغب حصوله ، وذلك داخل في الاستعانة وهو يستلزم الصبر على الضر لاعتقاد أنه زائل بإذن الله.
وخاطب موسى قومه بذلك تطمينا لقلوبهم ، وتعليما لهم بنصر الله إياهم لأنه علم لأنه بوحي الله إليه.
وجملة : (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ) تذييل وتعليل للأمر بالاستعانة بالله والصبر ، أي : افعلوا ذلك لأن حكم الظلم لا يدوم ، ولأجل هذا المعنى فصلت الجملة.
وقوله : (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) كناية عن ترقب زوال استعباد فرعون إياهم ، قصد منها صرف اليأس عن أنفسهم الناشئ عن مشاهدة قوة فرعون وسلطانه ، بأن الله الذي خوله ذلك السلطان قادر على نزعه منه لأن ملك الأرض كلها لله فهو الذي يقدر لمن يشاء ملك شيء منها وهو الذي يقدر نزعه.
فالمراد من الأرض هنا الدنيا لأنه أليق بالتذييل وأقوى في التعليل ، فهذا إيماء إلى أنهم خارجون من مصر وسيملكون أرضا أخرى.
وجملة : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) تذييل ، فيجوز أن تكون الواو اعتراضية ، أي : عاطفة على ما في قوله : (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ) من معنى التعليل ، فيكون هذا تعليلا ثانيا للأمر بالاستعانة والصبر ، وبهذا الاعتبار أوثر العطف بالواو على فصل الجملة مع أن مقتضى التذييل أن تكون مفصولة.
والعاقبة حقيقتها نهاية أمر من الأمور وآخره ، كقوله تعالى : (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ) [الحشر : ١٧] ، وقد تقدم ذكرها عند قوله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) في أول سورة الأنعام [١١] ، فإذا عرفت العاقبة باللام