حاصل في بقائهم دون شك ، ومعنى تركهم فرعون ، تركهم تأليهه وتعظيمه ، ومعنى ترك آلهته نبذهم عبادتها ونهيهم الناس عن عبادتها.
والآلهة جمع إله ، ووزنه أفعلة ، وكان القبط مشركين يعبدون آلهة متنوعة من الكواكب والعناصر وصوروا لها صورا عديدة مختلفة باختلاف العصور والأقطار ، أشهرها (فتاح) وهو أعظمها عندهم وكان يعبد بمدينة (منفيس) ، ومنها (رع) وهو الشمس وتتفرع عنه آلهة باعتبار أوقات شعاع الشمس ، ومنها (ازيريس) و (إزيس) و (هوروس) وهذا عندهم ثالوث مجموع من أب وأم وابن ، ومنها (توت) وهو القمر وكان عندهم رب الحكمة ، ومنها (أمون رع) فهذه الأصنام المشهورة عندهم وهي أصل إضلال عقولهم.
وكانت لهم أصنام فرعية صغرى عديدة مثل العجل (إيبيس) ومثل الجعران وهو الجعل.
وكان أعظم هذه الأصنام هو الذي ينتسب فرعون إلى بنوته وخدمته ، وكان فرعون معدودا ابن الآلهة وقد حلت فيه الإلهية على نحو عقيدة الحلول ، ففرعون هو المنفذ للدين ، وكان يعد إله مصر ، وكانت طاعته طاعته للآلهة كما حكى الله تعالى عنه : (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) [النازعات : ٢٤] (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) [القصص : ٣٨]. وتوعد فرعون موسى وقومه بالاستئصال بقتل الأبناء والمراد الرجال بقرينة مقابلته بالنساء ، والضمير المضاف إليه عائد على موسى وقومه ، فالإضافة على معنى (من) التبعيضية.
وقرأ نافع وابن كثير ، وأبو جعفر : (سَنُقَتِّلُ) ـ بفتح النون وسكون القاف وضم التاء ـ وقرأه البقية بضم النون وفتح القاف وتشديد التاء للمبالغة في القتل مبالغة كثرة واستيعاب.
والاستحياء : مبالغة في الإحياء ، فالسين والتاء فيه للمبالغة ، وإخباره ملأه باستحياء النساء تتميم لا أثر له في إجابة مقترح ملئه ، لأنهم اقترحوا عليه أن لا يبقي موسى وقومه فأجابهم بما عزم عليه في هذا الشأن ، والغرض من استبقاء النساء أن يتخذوهن سراري وخدما.
وجملة : (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) اعتذار من فرعون للملإ من قومه عن إبطائه باستئصال موسى وقومه ، أي : هم لا يقدرون أن يفسدوا في البلاد ولا أن يخرجوا عن طاعتي والقاهر : الغالب بإذلال.
و (فَوْقَهُمْ) مستعمل مجازا في التمكن من الشيء وكلمة (فَوْقَهُمْ) مستعارة