نحن لك بمؤمنين ، أي : فلا تتعب نفسك في السحر.
و (مَهْما) اسم مضمن معنى الشرط ، لأن أصله (ما) الموصولة أو النكرة الدالة على العموم ، فركّبت معها (ما) لتصييرها شرطية كما ركبت (ما) مع (أي) و (متى) و (أين) فصارت أسماء شرط ، وجعلت الألف الأولى هاء استثقالا لتكرير المتجانسين ، ولقرب الهاء من الألف فصارت مهما ، ومعناها : شيء ما ، وهي مبهمة فيؤتى بعدها بمن التبيينية ، أي : إن تأتنا بشيء من الآيات فما نحن لك بمؤمنين.
و (مَهْما) في محل رفع بالابتداء ، والتقدير : أيّما شيء تأتينا به ، وخبره الشرط وجوابه ، ويجوز كونها في محل نصب لفعل محذوف يدل عليه (تَأْتِنا بِهِ) المذكور. والتقدير: أي شيء تحضرنا تأتينا به.
وذكّر ضمير (بِهِ) رعيا للفظ (مَهْما) الذي هو في معنى أي شيء ، وأنّث ضمير (بِها) رعيا لوقوعه بعد بيان (مَهْما) باسم مؤنث هو (آيَةٍ).
و (مِنْ آيَةٍ) بيان لإبهام (مَهْما).
والآية : العلامة الدالة ، وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) في سورة البقرة [٣٩] ، وفي قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) في سورة الأنعام [٣٧].
وسموا ما جاء به موسى آية باعتبار الغرض الذي تحداهم به موسى حين الإتيان بها ، لأن موسى يأتيهم بها استدلالا على صدق رسالته ، وهم لا يعدونها آية ولكنهم جاروا موسى في التسمية بقرينة قولهم (لِتَسْحَرَنا بِها) ، وفي ذلك استهزاء كما حكى الله عن مشركي أهل مكة وقالوا : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] بقرينة قولهم : إنك لمجنون.
وجملة (فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) مفيدة المبالغة في القطع بانتفاء إيمانهم بموسى لأنهم جاءوا في كلامهم بما حوته الجملة الاسمية التي حكته من الدلالة على ثبوت هذا الانتفاء ودوامه. وبما تفيده الباء من توكيد النفي ، وما يفيده تقديم متعلق مؤمنين من اهتمامهم بموسى في تعليق الإيمان به المنفي باسمه.
والفاء في قوله : (فَأَرْسَلْنا) لتفريع إصابتهم بهذه المصائب على عتوهم وعنادهم.