في سورة الأنعام [١٦٣].
والمراد بالمؤمنين من كان الإيمان وصفهم ولقبهم ، أي الإيمان بالله وصفاته كما يليق به فالإيمان مستعمل في معناه اللقبي ، ولذلك شبه الوصف بأفعال السجايا فلم يذكر له متعلّق ، ومن ذهب من المفسرين يقدر له متعلّقا فقد خرج عن نهج المعنى.
وفصلت جملة : (قالَ يا مُوسى) لوقوع القول في طريق المحاورة والمجاوبة ، والنداء للتأنيس وإزالة الرّوع.
وتأكيد الخبر في قوله : (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ) للاهتمام به إذ ليس محلا للإنكار.
والاصطفاء افتعال مبالغة في الاصفاء وهو مشتق من الصّفو ، وهو الخلوص مما يكدر ، وتقدم عند قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) في سورة آل عمران [٣٣] وضمن اصطفيتك معنى الإيثار والتفضيل فعدي بعلى.
والمراد بالناس : جميع الناس ، أي الموجودين في زمنه ، فالاستغراق في (النَّاسِ) عرفي أي هو مفضل على الناس يومئذ لأنه رسول ، ولتفضيله بمزية الكلام ، وقد يقال إن موسى أفضل جميع الناس الذين مضوا يومئذ ، وعلى الاحتمالين : فهو أفضل من أخيه هارون ، لأن موسى أرسل بشريعة عظيمة ، وكلمه الله ، وهارون أرسله الله معاونا لموسى ولم يكلمه الله ، ولذلك قال : برسالتي وبكلامي وما ورد في الحديث من النهي عن التفضيل بين الأنبياء محمول على التفضيل الذي لا يستند لدليل صريح ، أو على جعل التفضيل بين الأنبياء شغلا للناس في نواديهم بدون مقتض معتبر للخوض في ذلك. وهذا امتنان من الله وتعريف.
ثم فرع على ذلك قوله : (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) والأول تفريع على الإرسال والتكليم. والثاني تفريع على الامتنان ، وما صدق (ما آتَيْتُكَ) قيل هو الشريعة والرسالة ، فالإيتاء مجاز أطلق على التعليم والإرشاد ، والأخذ مجاز في التلقي والحفظ ، والأظهر أن يكون (ما آتَيْتُكَ) إعطاء الألواح بقرينة قوله : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ) [الأعراف : ١٤٥] وقد فسر بذلك ، فالإيتاء حقيقة ، والأخذ كذلك ، وهذا أليق بنظم الكلام مع قوله : (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) [الأعراف : ١٤٥] ويحصل به أخذ الرسالة والكلام وزيادة.
والإخبار عن (كُنْ) بقوله : (مِنَ الشَّاكِرِينَ) أبلغ من أن يقال كن شاكرا كما تقدم في قوله : (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) في سورة الأنعام [٥٦].