بفتحتين ، وهما لغتان فيه.
وجملة : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا) مستأنفة استئنافا بيانيا ، لأن توسيمهم بتلك الصلات يثير سؤالا.
والمشار إليه بذلك ما تضمنه الكلام السابق ، نزّل منزلة الموجود في الخارج وهو ما تضمنه قوله : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ) إلى آخر الآية ، واستعمل له اسم إشارة المفرد ؛ لتأويل المشار إليه بالمذكور كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) [الفرقان : ٦٨] أي من يفعل المذكور ، وهذا الاستعمال كثير في اسم الإشارة ، وألحق به الضمير كما تقدم في قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) في سورة البقرة [٦١].
والباء السببية أي : كبرهم. وعدم إيمانهم ، واتباعهم سبيل الغي ، وإعراضهم عن سبيل الرشد سببه تكذيبهم بالآيات ، فأفادت الجملة بيان سبب الكبر ، وما عطف عليه من الأوصاف التي هي سبب صرفهم عن الآيات ، فكان ذلك سبب السبب ، وهذا أحسن من إرجاع الإشارة إلى الصرف المأخوذة من (سَأَصْرِفُ) لأن هذا المحمل يجعل التكذيب سببا ثانيا للصرف ، وجعله سببا للسبب أرشق.
واجتلبت (أن) الدالة على المصدرية والتوكيد ؛ لتحقيق هذا التسبب وتأكيده ، لأنه محل عرابة.
وجعل المسند فعلا ماضيا ، لإفادة أن وصف التكذيب قديم راسخ فيهم ، فكان رسوخ ذلك فيهم سببا في أن خلق الطبع والختم على قلوبهم فلا يشعرون بنقائصهم ، ولا يصلحون أنفسهم ، فلا يزالون متكبرين معرضين غاوين.
ومعنى (كَذَّبُوا بِآياتِنا) إنهم ابتدءوا بالتكذيب ، ولم ينظروا ، ولم يهتموا بالتأمل في الآيات فداموا على الكبر وما معه ، فصرف الله قلوبهم عن الانتفاع بالآيات ، وليس المراد الإخبار بأنهم حصل منهم التكذيب ، لأن ذلك قد علم من قوله : (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها).
والغفلة انصراف العقل والذهن عن تذكر شيء بقصد أو بغير قصد ، وأكثر استعماله في القرآن فيما كان عن قصد بإعراض وتشاغل ، والمذموم منها ما كان عن قصد ، وهو مناط التكليف والمؤاخذة ، فأما الغفلة عن غير قصد فلا مؤاخذة عليها ، وهي المقصود من