«الكشاف».
ومن المفسرين من حاول جعل قوله : (بِغَيْرِ الْحَقِ) قيدا للتكبر ، وجعل من التكبر ما هو حق ، لأن للمحق أن يتكبر على المبطل ، ومنه المقالة المشهورة «الكبر على المتكبر صدقة» وهذه المقالة المستشهد بها جرت على المجاز أو الغلط.
وقوله : (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) عطف على قوله : (يَتَكَبَّرُونَ) فهو في حكم الصلة ، والقول فيه كالقول في قوله : (لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) في سورة يونس [٩٦ ، ٩٧] وكل مستعملة في معنى الكثرة ، كما تقدم في قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ) في سورة البقرة [١٤٥].
والسبيل مستعار لوسيلة الشيء بقرينة إضافته إلى الرشد وإلى الغي. والرؤية مستعارة للإدراك.
والاتخاذ حقيقته مطاوع أخّذه بالتشديد ، إذا جعله آخذا ، ثم أطلق على أخذ الشيء ولو لم يعطه إياه غيره ، وهو هنا مستعار للملازمة ، أي لا يلازمون طريق الرشد ، ويلازمون طريق الغي.
والرشد الصلاح وفعل النافع ، وقد تقدم في قوله تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) في سورة النساء [٦] والمراد به هنا : الشيء الصالح كله من الإيمان والأعمال الصالحة.
والغي الفساد والضلال ، وهو ضد الرشد بهذا المعنى ، كما أن السفه ضد الرشد بمعنى حسن النظر في المال ، فالمعنى : أن يدركوا الشيء الصالح لم يعملوا به. لغلبة الهوى على قلوبهم ، وإن يدركوا الفساد عملوا به لغلبة الهوى ، فالعمل به حمل للنفس على كلفة ، وذلك تأباه الأنفس التي نشأت على متابعة مرغوبها ، وذلك شأن الناس الذين لم يروّضوا أنفسهم بالهدى الإلهي ، ولا بالحكمة ونصائح الحكماء والعقلاء ، بخلاف الغي ، فإنه ما ظهر في العالم إلّا من آثار شهوات النفوس ودعواتها التي يزين لها الظاهر العاجل ، وتجهل عواقب السوء الآجلة ، كما جاء في الحديث : حفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات.
والتعبير في الصلات الأربع بالأفعال المضارعة : لإفادة تجدد تلك الأفعال منهم واستمرارهم عليها.
وقرأ الجمهور : (الرُّشْدِ) ـ بضم فسكون ـ وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف :