بمناسبة قوله : (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) [الأعراف : ١٤٥] تعريضا بأن حال مشركي العرب كحال أولئك الفاسقين ، وتصريحا بسبب إدامتهم العناد والإعراض عن الإيمان ، فتكون الجملة مستأنفة استينافا ابتدائيا ، وتأتي في معنى الصرف عن الآيات الوجوه السابقة واقتران فعل (سَأَصْرِفُ) بسين الاستقبال القريب تنبهه على أن الله يعجل ذلك الصرف.
وتقديم المجرور على مفعول (سَأَصْرِفُ) للاهتمام بالآيات ، ولأن ذكره عقب الفعل المتعلق هو به أحسن.
وتعريف المصروفين عن الآيات بطريق الموصولية للإيماء بالصلة إلى علة الصرف. وهي ما تضمنته الصلات المذكورة ، لأن من صارت تلك الصفات حالات له ينصره الله ، أو لأنه إذا صار ذلك حاله رين على قلبه ، فصرف قلبه عن إدراك دلالة الآيات وزالت منه الأهلية لذلك الفهم الشريف.
والأوصاف التي تضمنتها الصلات في الآية تنطبق على مشركي أهل مكة أتمّ الانطباق.
والتكبر الاتصاف بالكبر. وقد صيغ له الصيغة الدالة على التكلف ، وقد بينا ذلك عند قوله تعالى : (أَبى وَاسْتَكْبَرَ) [البقرة : ٣٤] وقوله : (اسْتَكْبَرْتُمْ) في سورة البقرة [٨٧] ، والمعنى : أنهم يعجبون بأنفسهم ، ويعدون أنفسهم عظماء فلا يأتمرون لآمر ، ولا ينتصحون لناصح.
وزيادة قوله : (فِي الْأَرْضِ) لتفضيح تكبرهم ، والتشهير بهم بأن كبرهم مظروف في الأرض ، أي ليس هو خفيا مقتصرا على أنفسهم ، بل هو مبثوث في الأرض ، أي مبثوث أثره ، فهو تكبر شائع في بقاع الأرض كقوله : (يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [يونس : ٢٣] وقوله : (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [البقرة : ٢٧] وقوله : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) [الإسراء : ٣٧] وقول مرة بن عدّاء الفقعسي :
فهلّا أعدوني لمثلي تفاقدوا |
|
وفي الأرض مبثوث شجاع وعقرب |
وقوله : (بِغَيْرِ الْحَقِ) زيادة لتشنيع التكبر بذكر ما هو صفة لازمة له ، وهو مغايرة الحق ، أي : باطل وهي حال لازمة للتكبر ، كاشفة لوصفه ، إذ التكبر لا يكون بحق في جانب الخلق ، وإنما هو وصف لله بحق ؛ لأنه العظيم على كل موجود ، وليس تكبر الله بمقصود أن يحترز عنه هنا حتى يجعل القيد (بِغَيْرِ الْحَقِ) للاحتراز عنه ، كما في