حلي ، بكسر الحاء مع اللام ، مثل عصي وقسي اتباعا لحركة العين ، وبالأول قرأ جمهور العشرة ، وبالثاني حمزة ، والكسائي ، وقرأ يعقوب حليهم بفتح الحاء وسكون اللامعلى صيغة الإفراد ، أي اتخذوا من مصوغهم وفي التوراة أنهم اتخذوه من ذهب ، نزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائهم وبناتهم وبنيهم.
والعجل ولد البقرة قبل أن يصير ثورا ، وذكر في سورة طه أن صانع العجل رجل يقال له السامري ، وفي التوراة أن صانعه هو هارون ، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه الواقع في التوراة بعد موسى ، ولم يكن هارون صائغا ، ونسب الاتخاذ إلى قوم موسى كلهم على طريقة المجاز العقلي ، لأنهم الآمرون باتخاذه والحريصون عليه ، وهذا مجاز شائع في كلام العرب.
ومعنى اتخذوا عجلا صورة عجل ، وهذا من مجاز الصورة ، وهو شائع في الكلام.
والجسد الجسم الذي لا روح فيه ، فهو خاص بجسم الحيوان إذا كان بلا روح ، والمراد أنه كجسم العجل في الصورة والمقدار إلّا أنه ليس بحي وما وقع في القصص : إنه كان لحما ودما ويأكل ويشرب ، فهو من وضع القصاصين ، وكيف والقرآن يقول : (مِنْ حُلِيِّهِمْ) ، ويقول : (لَهُ خُوارٌ) ، فلو كان لحما ودما لكان ذكره أدخل في التعجيب منه.
والخوار بالخاء المعجمة صوت البقر ، وقد جعل صانع العجل في باطنه تجويفا على تقدير من الضيق مخصوص ، واتخذ له آلة نافخة خفية ، فإذا حركت آلة النفخ انضغط الهواء في باطنه ، وخرج من المضيق ، فكان له صوت كالخوار ، وهذه صنعة كصنعة الصفارة والمزمار ، وكان الكنعانيون يجعلون مثل ذلك لصنعهما المسمى بعلا.
و (جَسَداً) نعت ل (عِجْلاً) وكذلك (لَهُ خُوارٌ).
وجملة : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ) مستأنفة استئنافا ابتدائيا ؛ لبيان فساد نظرهم في اعتقادهم.
والاستفهام للتقرير وللتعجيب من حالهم ، ولذلك جعل الاستفهام عن نفي الرؤية ، لأن نفي الرؤية هو غير الواقع من حالهم في نفس الأمر ، ولكن حالهم يشبه حال من لا يرون عدم تكليمه ، فوقع الاستفهام عنه لعلهم لم يروا ذلك ، مبالغة ، وهو للتعجيب وليس للإنكار ، إذ لا ينكر ما ليس بموجود ، وبهذا يعلم أن معنى كونه في هذا المقام بمنزلة النفي للنفي إنما نشأ من تنزيل المسئول عنهم منزلة من لا يرى ، وقد تقدم بيان ذلك عند