هذه الآية أيضا نظير ما في سورة البقرة إلّا أنه عبر في هذه الآية بقوله : (اسْكُنُوا) وفي سورة البقرة [٥٨] بقوله : (ادْخُلُوا) لأن القولين قيلا لهم ، أي قيل لهم : ادخلوا واسكنوها ففرّق ذلك على القصتين على عادة القرآن في تغيير أسلوب القصص استجدادا لنشاط السامع.
وكذلك اختلاف التعبير في قوله هنا : (وَكُلُوا) وقوله في سورة البقرة [٥٨] (فَكُلُوا) فإنه قد قيل لهم بما يرادف فاء التعقيب ، كما جاء في سورة البقرة ، لأن التعقيب معنى زائد على مطلق الجمع الذي تفيده واو العطف ، واقتصر هنا على حكاية أنه قيل لهم ، وكانت آية البقرة أولى بحكاية ما دلت عليه فاء التعقيب ، لأن آية البقرة سيقت مساق التوبيخ فناسبها ما هو أدل على المنة ، وهو تعجيل الانتفاع بخيرات القرية ، وآيات الأعراف سيقت لمجرد العبرة بقصة بني إسرائيل.
ولأجل هذا الاختلاف ميزت آية البقرة بإعادة الموصول وصلته في قوله : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً) [البقرة : ٥٩] وعوض عنه هنا بضمير الذين ظلموا ، لأن القصد في آية البقرة بيان سبب إنزال العذاب عليهم مرتين أشير إلى أولاهما بما يومئ إليه الموصول من علة الحكم ، وإلى الثانية بحرف السببية ، واقتصر هنا على الثاني.
وقد وقع في سورة البقرة [٥٩] لفظ (فَأَنْزَلْنا) ووقع هنا لفظ (فَأَرْسَلْنا) ولما قيد كلاهما بقوله : (مِنَ السَّماءِ) كان مفادهما واحدا ، فالاختلاف لمجرد التفنن بين القصتين.
وعبر هنا (بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) وفي البقرة [٥٩] (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) لأنه لما اقتضى الحال في القصتين تأكيد وصفهم بالظلم وأدي ذلك في البقرة [٥٩] بقوله : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، استثقلت إعادة لفظ الظلم هنالك ثالثة ، فعدل عنه إلى ما يفيد مفاده ، وهو الفسق ، وهو أيضا أعم ، فهو أنسب بتذييل التوبيخ ، وجيء هنا بلفظ (يَظْلِمُونَ) لئلا يفوت تسجيل الظلم عليهم مرة ثالثة ، فكان تذييل آية البقرة أنسب بالتغليط في ذمهم ، لأن مقام التوبيخ يقتضيه.
ووقع في هذه الآية (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) ولم يقع لفظ (مِنْهُمْ) في سورة البقرة ، ووجه زيادتها هنا التصريح بأن تبديل القول لم يصدر من جميعهم ، وأجمل ذلك في سورة البقرة لأن آية البقرة لما سيقت مساق التوبيخ ناسب إرهابهم بما يوهم أن الذين فعلوا ذلك هم جميع القوم ، لأن تبعات بعض القبيلة تحمل على جماعتها.