الله ، وشهد الله. ولذلك أجيب بما يجاب به القسم. قال ابن عطية : «وقادهم إلى هذا القول دخول اللام في الجواب ، وأما اللفظة فبعيدة عن هذا» وعن ابن عباس (تَأَذَّنَ رَبُّكَ) قال ربك يعني أن الله أعلن ذلك على لسان رسله.
وحاصل المعنى : أن الله أعلمهم بذلك وتوعدهم به ، وهذا كقوله تعالى : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) في سورة إبراهيم [٧].
ومعنى البعث الإرسال وهو هنا مجاز في التقييض والإلهام ، وهو يؤذن بأن ذلك في أوقات مختلفة وليس ذلك مستمرا يوما فيوما ، ولذلك اختبر فعل (لَيَبْعَثَنَ) دون نحو ليلزمنهم ، وضمن معنى التسليط فعدي بعلى كقوله : (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا) [الإسراء : ٥] وقوله : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ) [الأعراف : ١٣٣].
و (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) غاية لما في القسم من معنى الاستقبال ، وهي غاية مقصود منها جعل أزمنة المستقبل كله ظرفا للبعث ، لإخراج ما بعد الغاية. وهذا الاستغراق لأزمنة البعث أي أن الله يسلط عليهم ذلك في خلال المستقبل كله ، والبعث مطلق لا عام.
و (يَسُومُهُمْ) يفرض عليهم ، وحقيقة السوم أنه تقدير العوض الذي يستبدل به الشيء ، واستعمل مجازا في المعاملة اللازمة بتشبيهها بالسوم المقدر للشيء ، وقد تقدم في سورة البقرة [٤٩] (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) وتقدم في هذه السورة نظيره ، فالمعنى يجعل سوء العذاب كالقيمة لهم فهو حظهم.
وسوء العذاب أشده ، لأن العذاب كله سوء فسوؤه الأشد فيه.
والآية تشير إلى وعيد الله إياهم بأن يسلط عليهم عدوهم كلما نقضوا ميثاق الله تعالى ، وقد تكرر هذا الوعيد من عهد موسى عليهالسلام إلى هلم جرّا ، كما في سفر التثنية في الثامن والعشرين ففيه «إن لم تحرص لتعمل بجميع كلمات هذا الناموس ... ويبددك الله في جميع الشعوب وفي تلك الأمم لا تطمئن وترتعب ليلا ونهارا ولا تأمن على حياتك» وفي سفر يوشع الإصحاح ٢٣ «لتحفظوا وتعملوا كل المكتوب في سفر شريعة موسى ولكن إذا رجعتم ولصفتم ببقية هؤلاء الشعوب اعلموا يقينا أن الله يجعلهم لكم سوطا على جنوبكم وشوكا في أعينكم حتى تبيدوا حينما تتعدون عهد الرب إلهكم».
وأعظم هذه الوصايا هي العهد باتباع الرسول الذي يرسل إليهم ، كما تقدم ، ولذلك كان قوله : (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) معناه ما داموا على