قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير التّحرير والتّنوير [ ج ٨ ]

337/422
*

و (أُمَماً) جمع أمّة بمعنى الجماعة ، فيجوز أن يكون المراد هنا تقطيعا مذموما أي تفريقا بعد اجتماع أمتهم فيكون إشارة إلى أسر بني إسرائيل عند ما غزا مملكة إسرائيل (شلمناصر) ملك بابل. ونقلهم إلى جبال انشور وأرض بابل سنة ٧٢١ قبل الميلاد. ثم أسر (بخت نصّر) مملكة يهوذا وملكها سنة ٥٧٨ قبل الميلاد ، ونقل اليهود من (أرشليم) ولم يبق إلّا الفقراء والعجّز. ثم عادوا إلى أرشليم سنة ٥٣٠ ، وبنوا البيت المقدس إلى أن أجلاهم (طيطوس) الروماني ، وخرّب بيت المقدس في أوائل القرن الثاني بعد الميلاد ، فلم تجتمع أمتهم بعد ذلك فتمزقوا أيدي سبأ.

ووصف الأمم بأنهم (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) إيذان بأن التفريق شمل المذنبين وغيرهم ، وأن الله جعل للصالحين منزلة إكرام عند الأمم التي حلّوا بينهما ، كما دل عليه قوله : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ).

وشمل قوله : (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) كل من لم يكن صالحا على اختلاف مراتب فقدان الصلاح منهم.

و (الصَّالِحُونَ) هم المتمسكون بشريعة موسى والمصدقون للأنبياء المبعوثين من بعده والمؤمنون بعيسى بعد بعثته ، وأن بني إسرائيل كانوا بعد بعثة عيسى غير صالحين إلّا قليلا منهم : الذين آمنوا به ، وزادوا بعد بعثة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعدم إيمانهم به ، بعدا عن الصلاح إلّا نفرا قليلا منهم مثل عبد لله بن سلام ، ومخيريق.

وانتصب (دُونَ ذلِكَ) على الظرفية وصفا لمحذوف دل عليه قوله : (مِنْهُمُ) أي ومنهم فريق دون ذلك ، ويجوز أن تكون (من) بمعنى بعض اسما عند من يجوّز ذلك ، فهي مبتدأ ، و (دُونَ) خبر عنه.

ويحتمل أن تكون الآية تشير إلى تفريقهم في الأرض في مدة ملوك بابل ، وإنهم كانوا في مدة إقامتهم ببابل (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) مثل (دانيال) وغيره ، ومنهم دون ذلك ، لأن التقسيم بمنهم مشعر بوفرة كلا الفريقين.

وقوله : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) أي أظهرنا مختلف حال بني إسرائيل في الصبر والشكر ، أو في الجزع والكفر ، بسبب الحسنات والسيئات ، فهي جمع حسنة وسيئة بمعنى التي تحسن والتي تسوء ، كما تقدم في قوله : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) [الأعراف : ١٣١] وعلى هذا يكون الحسنات