على تقديره بالمذكور.
والمعنى : أن ذلك لمّا جعل في الفطرة عند التكوين كانت عقول البشر منساقة إليه ، فلا يغفل عنه أحد منهم فيعتذر يوم القيامة ، إذا سئل عن الإشراك ، بعذر الغفلة ، فهذا إبطال للاعتذار بالغفلة ، ولذلك وقع تقدير حرف نفي أي أن لا تقولوا إلخ.
وعطف عليه الاعتذار بالجهل دون الغفلة بأن يقولوا إننا اتبعنا آباءنا وما ظننا الإشراك إلا حقا ، فلما كان في أصل الفطرة العلم بوحدانية الله بطل الاعتذار بالجهل به ، وكان الإشراك إما عن عمد وإما عن تقصير ، وكلاهما لا ينهض عذرا ، وكل هذا إنما يصلح لخطاب المشركين دون بني إسرائيل.
ومعنى : (وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) كنا على دينهم تبعا لهم لأننا ذرية لهم ، وشأن الذرية الاقتداء بالآباء وإقامة عوائدهم فوقع إيجاز في الكلام وأقيم التعليل مقام المعلل.
و (مِنْ بَعْدِهِمْ) نعت لذرية لما تؤذن به ذرية من الخلفية والقيام في مقامهم. والاستفهام في (أَفَتُهْلِكُنا) إنكاري ، والإهلاك هنا مستعار للعذاب ، والمبطلون الآخذون بالباطل ، وهو في هذا المقام الإشراك.
وفي هذه الآية دليل على أن الإيمان بالإله الواحد مستقر في فطرة العقل ، لو خلي ونفسه ، وتجرد من الشبهات الناشئة فيه من التقصير في النظر ، أو الملقاة إليه من أهل الضلالة المستقرة فيهم الضلالة ، بقصد أو بغير قصد ، ولذلك قال الماتريدي والمعتزلة : أن الإيمان بالإله الواحد واجب بالعقل ، ونسب إلى أبي حنيفة وإلى الماوردي وبعض الشافعية من أهل العراق ، وعليه أنبتت مؤاخذة أهل الفترة على الإشراك ، وقال الأشعري : معرفة الله واجبة بالشرع لا بالعقل تمسكا بقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] ولعله أرجع مؤاخذة أهل الفترة على الشرك إلى التواتر بمجيء الرسل بالتوحيد.
وجملة : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) معترضة بين القصتين ، والواو اعتراضية ، وتسمى واو الاستئناف أي مثل هذا التفصيل نفصل الآيات أي آيات القرآن ، وتقدم نظير هذا عند قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) في سورة الأنعام [٥٥]. وتفصيلها بيانها وتجريدها من الالتباس.
وجملة : (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عطف على جملة : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) فهي في