للرسول صلىاللهعليهوسلم في معرض التهكم (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) [فصلت : ٥].
والذرء الخلق وقد تقدم في قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) في سورة الأنعام [١٣٦].
واللام في (لِجَهَنَّمَ) للتعليل ، أي خلقنا كثيرا لأجل جهنم.
وجهنم مستعملة هنا في الأفعال الموجبة لها بعلاقة المسببية ، لأنهم خلقوا لأعمال الضلالة المفضية إلى الكون في جهنم ، ولم يخلقوا لأجل جهنم ، لأن جهنم لا يقصد إيجاد خلق لتعميرها ، وليست اللام لام العاقبة ؛ لعدم انطباق حقيقتها عليها ، وفي «الكشاف» جعلهم لاغراقهم في الكفر ، وأنهم لا يأتي منهم إلا أفعال أهل النار ، مخلوقين للنار دلالة على تمكنهم فيما يؤهلهم لدخول النار اه ، وهذا يقتضي أن تكون الاستعارة في (ذَرَأْنا) وهو تكلف راعى به قواعد الاعتزال في خلق أفعال العباد وفي نسبة ذلك إلى الله تعالى.
وتقديم المجرور على المفعول في قوله : (لِجَهَنَّمَ كَثِيراً) ليظهر تعلقه ب (ذَرَأْنا).
ومعنى خلق الكثير لاعمال الشر المفضية إلى النار : أن الله خلق كثيرا فجعل في نفوسهم قوى من شأنها إفساد ما أودعه في الناس من استقامة الفطرة المشار إليها في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) ذرياتهم (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] وهي قوى الشهوة والغضب فخلقها أشد سلطانا على نفوسهم من القوة الفطرية المسماة الحكمة ، فجعلت الشهوة والغضب المسمّين بالهوى تغلب قوة الفطرة ، وهي الحكمة والرشاد ، فترجح نفوسهم دواعي الشهوة والغضب فتتبعها وتعرض عن الفطرة ، فدلائل الحق قائمة في نفوسهم ، ولكنهم ينصرفون عنها ؛ لغلبة الهوى عليهم فبحسب خلقة نفوسهم غير ذات عزيمة على مقاومة الشهوات : جعلوا كأنهم خلقوا لجهنم ، وكأنهم لم تخلق فيهم دواعي الحق في الفطرة.
والجن خلق غير مرئي لنا ، وظاهر القرآن أنهم عقلاء ، وأنهم مطبوعون على ما خلقوا لأجله من نفع أو ضر ، وخير أو شر ، ومنهم الشياطين ، وهذا الخلق لا قبل لنا بتفصيل نظامه ولا كيفيات تلقيه لمراد الله تعالى منه.
وقوله : (لَهُمْ قُلُوبٌ) حال أو صفة لخصوص الإنس ، لأنهم الذين لهم : قلوب ،