الاحتمالات إلى الشك في ذلك ، فلا جرم أن يفضي بهم إلى النظر في توقع مصير لهم مثل ما صار إليه المكذبون من قبلهم.
ويجوز أن يكون المراد بالأجل مجيء الساعة ، وانقراض هذا العالم ، فهو أجلهم وأجل غيرهم من الناس فيكون تخويفا من يوم الجزاء.
ومن بديع نظم هذه الآيات : أنه لما أريد التبصر والتفكر في ثبوت الحقائق والنّسب في نفس الأمر جيء مع فعلى القلب بصيغة القضية والخبر في قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) [الأعراف : ١٨٤] وقوله : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) ولما أريد التبصر والتفكر في صفات الذات جعل فعل القلب متعلقا بأسماء الذوات في قوله : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ).
ثم فرع على التهديد والوعيد توبيخهم والإنكار عليهم بطريقة الاستفهام التعجيبي المفيد للاستبعاد بقوله : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) فهو تعجيب مشوب باستبعاد للإيمان بما أبلغ إليهم الله بلسان رسوله عليه الصلاة والسلام ، وما نصب لهم من الآيات في أصناف المخلوقات ، فإن ذلك كله قد بلغ منتهى البيان قولا ودلالة بحيث لا مطمع أن يكون غيره أدل منه.
و (أي) هنا اسم أشرب معنى الاستفهام ، وأصله اسم مبهم يفسره ما يضاف هو إليه ، وهو اسم لحصة متميزة عما يشاركها في نوع من جنس أو صفة ، فإذا أشرب (أي) معنى الاستفهام ، كان للسؤال عن تعيين مشارك لغيره في الوصف المدلول عليه بما تضاف إليه (أي) طلبا لتعيينه ، فالمسئول عنه بها مساو لمماثل له معروف فقوله : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ) سؤال عن الحديث المجهول المماثل للحديث المعروف بين السائل والمسئول وسيأتي الكلام على (أي) عند قوله تعالى : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) في سورة القلم [٥ ، ٦].
والاستفهام هنا مستعمل في الإنكار ، أي لا يؤمنون بشيء من الحديث بعد هذا الحديث.
وحقيقة الحديث أنه الخبر والقصة الحادثة (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) [الذاريات : ٢٤] ويطلق مجازا على الأمر الذي من شأنه أن يصير حديثا وهو أعم من المعنى الحقيقي.