مثل حكيم ، أي كأنك ملح في السؤال عنها ، أي ملح على الله في سؤال تعيين وقت الساعة كقوله تعالى : (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) [محمد : ٣٧].
وقوله : (كَأَنَّكَ حَفِيٌ) حال من ضمير المخاطب في قوله : (يَسْئَلُونَكَ) معترضة بين (يَسْئَلُونَكَ) ومتعلقه.
ويتعلق قوله : (عَنْها) على الوجهين بكل من (يَسْئَلُونَكَ) ـ و (حَفِيٌ) على نحو من التنازع في التعليق.
ويجوز أن يكون (حَفِيٌ) مشتقا من حفي به ، كرضي بمعنى بالغ في الإكرام ، فيكون مستعملا في صريح معناه ، والتقدير : كأنك حفي بهم أي مكرم لهم وملاطف فيكون تهكما بالمشركين ، أي يظهرون لك أنك كذلك ليستنزلوك للخوض معهم في تعيين وقت الساعة ، روي عن ابن عباس : كأنك صديق لهم ، وقال قتادة : قالت قريش لمحمد : إن بيننا قرابة فأسرّ إلينا متى الساعة فقال الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) وعلى هذا الوجه يتعلق (عَنْها) ب (يَسْئَلُونَكَ) وحذف متعلق (حَفِيٌ) لظهوره.
وبهذا تعلم أن تأخير (عَنْها) للإيفاء بهذه الاعتبارات.
وفي الآية إشارة إلى أن الرسول صلىاللهعليهوسلم لا تتعلق همته بتعيين وقت الساعة ، إذ لا فائدة له في ذلك ، ولأنه لو اهتم بذلك لكان في اهتمامه تطلبا لإبطال الحكمة في إخفائها ، وفي هذا إشارة إلى أن انتفاء علمه بوقتها لا ينافي كرامته على الله تعالى بأن الله أعطاه كمالا نفسيا يصرفه عن تطلب ذلك ، ولو تطلبه لأعلمه الله به ، كما صرف موسى عليهالسلام عن الاستمرار على كراهة الموت حين حل أجله كيلا ينزع روحه وهو كاره ، وهذه سرائر عالية بين الله وبين الصالحين من عباده.
وأكدت جملة الجواب الأولى بقوله : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) تأكيدا لمعناها ليعلم أن ذلك الجواب لا يرجى غيره وأن الحصر المشتمل عليه قوله : (إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) حصر حقيقي ثم عطف على جملة الجواب استدراك عن الحصر في قوله : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) تأكيدا لكونه حصرا حقيقيا ، وإبطالا لظن الذين يحسبون أن شأن الرسل أن يكونوا عالمين بكل مجهول ، ومن ذلك وقت الساعة بالنسبة إلى أوقاتهم يستطيعون إعلام الناس فيستدلون بعدم علم الساعة على عدم صدق مدعي الرسالة ، وهذا الاعتقاد ضلالة ملازمة للعقول الأفنة ، فإنها تتوهم الحقائق على غير ما هي عليه ، وتوقن بما يخيل إليها ،