ضمير (يُشْرِكُونَ) [الأعراف : ١٩٠] ، أي : والمشركون يخلقون ، ومعنى الحال زيادة تفظيع التعجيب من حالهم لإشراكهم بالله أصنافا لا تخلق شيئا في حال أن المشركين يخلقون يوما فيوما ، أي يتجدد خلقهم ، والمشركون يشاهدون الأصنام جاثمة في بيوتها ومواضعها لا تصنع شيئا فصيغة المضارع دالة على الاستمرار بقرينة المقام.
ودلالة المضارع على الاستمرار والتكرر دلالة ناشئة عن معنى التجدد الذي في أصل المسند الفعلي ، وهي دلالة من مستتبعات التركيب بحسب القرائن المعيّنة لها ولا توصف بحقيقة ولا مجاز لذلك ، ومعنى تجدد مخلوقيتهم : هو أن الضمير صادق بأمة وجماعة ، فالمخلوقية لا تفارقهم لأنها تتجدد آنا فآنا بازدياد المواليد ، وتغير أحوال المواجيد ، كما قال تعالى (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) [الزمر : ٦] فتكون جملة : (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) حالا من ضمير (أَيُشْرِكُونَ).
والمفسرون أعادوا ضمير و (هُمْ يُخْلَقُونَ) على ما لا يخلق ، أي الأصنام ، ولم يبينوا معنى كون الأصنام مخلوقة وهي صور نحتها الناس ، وليست صورها مخلوقة لله ، فيتعين أن المراد أن مادتها مخلوقة وهي الحجارة.
وجعلوا إجراء ضمائر العقلاء في قوله (وَهُمْ) ـ وقوله ـ (يُخْلَقُونَ) وما بعده على الأصنام وهي جمادات لأنهم نزلوا منزلة العقلاء ، بناء على اعتقاد المحجوجين فيهم ، ولا يظهر على لهذا التقدير وجه الإتيان بفعل يخلقون بصيغة المضارع لأن هذا الخلق غير متجدد.
والضمير المجرور باللام في (لَهُمْ نَصْراً) عائد إلى المشركين ، لأن المجرور باللام بعد فعل الاستطاعة ونحوه هو الذي لأجله يقع الفعل مثل (لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) [العنكبوت : ١٧].
وجملة : (وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً) عطف على جملة : (ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً) فتكون صلة ثانية.
والقول في الفعلين من (لا يَسْتَطِيعُونَ) ـ و (لا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) كالقول في (ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً).
وتقديم المفعول في (وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) للاهتمام بنفي هذا النصر عنهم ، لأنه أدل على عجز تلك الآلهة لأن من يقصّر في نصر غيره لا يقصّر في نصر نفسه لو قدر.