ويجوز أن تكون جملة (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى) إلخ معطوفة على جملة الصلة في قوله : (لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [الأعراف : ١٩١] فيكون ضمير الخطاب في (تَدْعُوهُمْ) خطابا للمشركين الذين كان الحديث عنهم بضمائر الغيبة من قوله : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الأعراف : ١٩٠] إلى هنا ، فمقتضى الظاهر أن يقال : وإن يدعوهم إلى الهدى لا يتبعوهم ، فيكون العدول عن طريق الغيبة إلى طريق الخطاب التفاتا من الغيبة إلى الخطاب توجها إليهم بالخطاب ، لأن الخطاب أوقع في الدمغ بالحجة.
و (الْهُدى) على هذا الوجه ما يهتدى إليه ، والمقصود من ذكره أنهم لا يستجيبون إذا دعوتموهم إلى ما فيه خيرهم فيعلم أنهم لو دعوهم إلى غير ذلك لكان عدم اتباعهم دعوتهم أولى.
وجملة : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) مؤكدة لجملة (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ) فلذلك فصلت.
و (سَواءٌ) اسم للشيء المساوي غيره أي ليس أولى منه في المعنى المسوق له الكلام والهمزة التي بعد (سَواءٌ) يقال لها همزة التسوية ، وأصلها همزة الاستفهام استعملت في التسوية ، كما تقدم عند قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) في سورة البقرة [٦] ، أي سواء دعوتكم إياهم وصمتكم عن الدعوة.
و (على) فيها للاستعلاء المجازي وهي بمعنى العندية أي : سواء عندهم. وإنما جعل الأمران سواء على المخاطبين ولم يجعلا سواء على المدعوين فلم يقل سواء عليهم ، وإن كان ذلك أيضا سواء عليهم ، لأن المقصود من الكلام هو تأييس المخاطبين من استجابة المدعوين إلى ما يدعونهم إليه لا الإخبار ، وإن كان المعنيان متلازمين كما أنهما في قوله (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة : ٦] متلازمان فإن الإنذار وعدمه سواء : على المشركين ، وعلى المؤمنين ، ولكن الغرض هنالك بيان انعدام انتفاعهم بالهدى.
وهذا هو القانون للتفرقة بين ما يصح أن يسند فيه فعل التسوية إلى جانبين وبين ما يتعين أن يسند فيه إلى جانب واحد إذا كانت التسوية لا تهم إلا جانبا واحدا ، كما في قوله تعالى : (اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ) [الطور : ١٦] فإنه يتعين أن تجعل التسوية بالنسبة للمخاطبين ، ولا يحسن أن يقال سواء علينا ـ وكقوله : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) [إبراهيم : ٢١] فإنه يتعين أن تكون التسوية بالنسبة إلى المتكلمين.