خذي العفو مني تستديمي مودتي |
|
ولا تنطقي في سورتي حين أغضب |
هو لأبي الأسود الدؤلي ، وأنه اتبع استعمال القرآن ، وأن نسبته إلى أسماء بن خارجة الفزاري أو إلى حاتم الطائي غير صحيحة.
والعفو الصفح عن ذنب المذنب وعدم مؤاخذته بذنبه وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البقرة : ٢١٩] وقوله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) في سورة البقرة [١٠٩] ، والمراد به هنا ما يعم العفو عن المشركين وعدم مؤاخذتهم بجفائهم ومساءتهم الرسول والمؤمنين.
وقد عمت الآية صور العفو كلها : لأن التعريف في العفو تعريف الجنس فهو مفيد للاستغراق إذا لم يصلح غيره من معنى الحقيقة والعهد ، فأمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بأن يعفو ويصفح وذلك بعدم المؤاخذة بجفائهم وسوء خلقهم ، فلا يعاقبهم ولا يقابلهم بمثل صنيعهم كما قال تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) [آل عمران : ١٥٩] ، ولا يخرج عن هذا العموم من أنواع العفو أزمانه وأحواله إلا ما أخرجته الأدلة الشرعية مثل العفو عن القاتل غيلة ، ومثل العفو عن انتهاك حرمات الله ، والرسول أعلم بمقدار ما يخص من هذا العموم ، وقد يبينه الكتاب والسنة وألحق به ما يقاس على ذلك المبين ، وفي قوله : (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) ضابط عظيم لمقدار تخصيص الأمر بالعفو.
ثم العفو عن المشركين المقصود هنا أسبق أفراد هذا العموم إلى الذهن من بقيتها ولم يفهم السلف من الآية غير العموم ففي «صحيح البخاري» عن ابن عباس قال «قدم عيينة بن حصن المدينة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس ، وكان الحر بن قيس من النفر الذين يدنيهم عمر ، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته ، فقال عيينة لابن أخيه لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه فأستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر ، فلما دخل عليه قال «هيه يا ابن الخطاب ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل» فغضب عمر حتى همّ أن يوقع به فقال له الحر : «يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقّافا عند كتاب الله» وفيه عن عبد الله بن الزبير قال «ما أنزل الله ذلك إلا في أخلاق الناس» ومن قال إن هذه الآية نسختها آيات القتال فقد وهم : لأن العفو باب آخر ، وأما القتال فله أسبابه ولعله أراد من النسخ ما يشمل معنى البيان أو التخصيص في اصطلاح