أحصّ فلا أجير ومن أجره |
|
فليس كمن يدلّى بالغرور |
وعلى هذا الاستعمال ففعل دلّى يستعمل قاصرا ، ويستعمل متعدّيا إذا جعل غيره مدلّيا ، هذا ما يؤخذ من كلام أهل اللّغة في هذا اللّفظ ، وفيه تفسيرات أخرى لا جدوى في ذكرها.
ودلّ قوله : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) على أنّهما فعلا ما وسوس لهما الشّيطان ، فأكلا من الشّجرة ، فقوله : (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) ترتيب على دلاهما بغرور فحذفت الجملة واستغني عنها بإيراد الاسم الظّاهر في جملة شرط لمّا ، والتّقدير : فأكلا منها ، كما ورد مصرّحا به في سورة البقرة ، فلمّا ذاقاها بدت لهما سوآتهما.
والذّوق إدراك طعم المأكول أو المشروب باللّسان ، وهو يحصل عند ابتداء الأكل أو الشّرب ، ودلت هذه الآية على أن بدوّ سوآتهما حصل عند أوّل إدراك طعم الشّجرة ، دلالة على سرعة ترتّب الأمر المحذور عند أوّل المخالفة ، فزادت هذه الآية على آية البقرة.
وهذه أوّل وسوسة صدرت عن الشّيطان. وأوّل تضليل منه للإنسان.
وقد أفادت (لما) توقيت بدوّ سوآتهما بوقت ذوقهما الشّجرة ، لأنّ (لما) حرف يدل على وجود شيء عند وجود غيره ، فهي لمجرّد توقيت مضمون جوابها بزمان وجود شرطها ، وهذا معنى قولهم : حرف وجود لوجود (فاللّام في قولهم لوجود بمعنى (عند) ولذلك قال بعضهم هي ظرف بمعنى حين ، يريد باعتبار أصلها ، وإذ قد التزموا فيها تقديم ما يدل على الوقت لا على الموقت ، شابهت أدوات الشّرط فقالوا حرف وجود لوجود كما قالوا في (لو) حرف امتناع لامتناع ، وفي (لو لا) حرف امتناع لوجود ، ولكن اللّام في عبارة النّحاة في تفسير معنى لو ولو لا ، هي لام التّعليل ، بخلافها في عبارتهم في (لما) لأنّ (لما) لا دلالة لها على سبب ، ألا ترى قوله تعالى : (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) [الإسراء : ٦٧] إذ ليس الإنجاء بسبب للإعراض ، ولكن لمّا كان بين السّبب والمسبّب تقارن كثر في شرط (لما) وجوابها معنى السّببية دون اطراد ، فقوله تعالى : (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) لا يدلّ على أكثر من حصول ظهور السوآت عند ذوق الشّجرة ، أي أنّ الله جعل الأمرين مقترنين في الوقت ، ولكن هذا التّقارن هو لكون الأمرين مسبّبين عن سبب واحد ، وهو خاطر السوء الذي نفثه الشّيطان فيهما ، فسبب الإقدام على المخالفة للتّعاليم الصّالحة ، والشّعور بالنقيصة : فقد كان آدم وزوجه في طور سذاجة العلم ، وسلامة الفطرة ، شبيهين بالملائكة لا يقدمان على مفسدة ولا مضرة ، ولا يعرضان عن نصح ناصح