ولم أعلم أنّي سبقت إلى الاهتداء إليه.
وقد تأخّر نداء الربّ إياهما إلى أن بدت لهما سوآتهما ، وتحيّلا لستر عوراتهما ليكون للتّوبيخ وقع مكين من نفوسهما ، حين يقع بعد أن تظهر لهما مفاسد عصيانهما ، فيعلما أنّ الخير في طاعة الله ، وأنّ في عصيانه ضرّا.
والنّداء حقيقته ارتفاع الصّوت وهو مشتق من النّدى ـ بفتح النّون والقصر ـ وهو بعد الصّوت ، قال مدثار بن شيبان النمري :
فقلت ادعي وأدعوا إنّ أندى |
|
لصوت أن ينادي داعيان |
وهو مجاز مشهور في الكلام الذي يراد به طلب إقبال أحد إليك ، وله حروف معروفة في العربيّة : تدلّ على طلب الإقبال ، وقد شاع إطلاق النّداء على هذا حتّى صار من الحقيقة ، وتفرّع عنه طلب الإصغاء وإقبال الذّهن من القريب منك ، وهو إقبال مجازي.
(وَناداهُما رَبُّهُما) مستعمل في المعنى المشهور : وهو طلب الإقبال ، على أنّ الإقبال مجازي لا محالة فيكون كقوله تعالى : وزكرياء (إِذْ نادى رَبَّهُ) [الأنبياء : ٨٩] وهو كثير في الكلام.
ويجوز أن يكون مستعملا في الكلام بصوت مرتفع كقوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) [البقرة : ١٧١] وقوله : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها) [الأعراف : ٤٣] وقول بشّار :
ناديت إنّ الحبّ أشعرني |
|
قتلا وما أحدثت من ذنب |
ورفع الصّوت يكون لأغراض ، ومحمله هنا على أنّه صوت غضب وتوبيخ.
وظاهر إسناد النّداء إلى الله أنّ الله ناداهما بكلام بدون واسطة ملك مرسل ، مثل الكلام الذي كلّم الله به موسى ، وهذا واقع قبل الهبوط إلى الأرض ، فلا ينافي ما ورد من أن موسى هو أوّل نبيء كلّمه الله تعالى بلا واسطة ، ويجوز أن يكون نداء آدم بواسطة أحد الملائكة.
وجملة : ألم أنهاكما في موضع البيان لجملة (ناداهما) ، ولهذا فصلت الجملة عن التي قبلها.
والاستفهام في ألم أنهاكما للتّقرير والتّوبيخ ، وأولي حرف النّفي زيادة في