مواضع أخرى ، هذا حاصل كلامه في مواضع ، والتّوجيه الثّاني مردود إذ لا يلزم في حكاية الأقوال الإحاطة ولا الاتّصال.
والذي أراه أنّ هذا ليس أسلوبا في حكاية القول يتخيّر فيه البليغ ، وأنّه مساو للعطف بثمّ ، وللجمع بين حرف العطف وإعادة فعل القول ، كما في قوله تعالى : (وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) [الأعراف : ٣٩] ـ بعد قوله ـ (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا) [الأعراف : ٣٨] ، فإذا لم يكن كذلك كان توجيه إعادة فعل القول ، وكونه مستأنفا : أنّه استئناف ابتدائي للاهتمام بالخبر ، إيذانا بتغيّر الخطاب بأن يكون بين الخطابين تخالف ما ، فالمخاطب بالأوّل آدم وزوجه والشّيطان ، والمخاطب بالثّاني آدم وزوجه وأبناؤهما ، فإن كان هذا الخطاب قبل حدوث الذرّية لهما كما هو ظاهر السّياق فهو خطاب لهما بإشعارهما أنّهما أبوا خلق كثير : كلّهم هذا حالهم ، وهو من تغليب الموجود على من لم يوجد ، وإن كان قد وقع بعد وجود الذرّية لهما فوجه الفصل أظهر وأجدر ، والقرينة على أنّ إبليس غير داخل في الخطاب هو قوله : (وَمِنْها تُخْرَجُونَ) لأنّ الإخراج من الأرض يقتضي سبق الدّخول في باطنها ، وذلك هو الدّفن بعد الموت ، والشّياطين لا يدفنون. وقد أمهل الله إبليس بالحياة إلى يوم البعث فهو يحشر حينئذ أو يموت ويبعث ، ولا يعلم ذلك إلّا الله تعالى.
وقد جعل تغيير الأسلوب وسيلة للتّخلّص إلى توجيه الخطاب إلى بني آدم عقب هذا.
وقد دلّ جمع الضّمير على كلام مطوي بطريقة الإيجاز : وهو أنّ آدم وزوجه استقرا في الأرض ، وتظهر لهما ذريّة ، وأنّ الله أعلمهم بطريق من طرق الإعلام الإلهي بأنّ الأرض قرارهم ، ومنها مبعثهم ، يشمل هذا الحكم الموجودين منهم يوم الخطاب والذين سيوجدون من بعد.
وقد يجعل سبب تغيير الأسلوب تخالف القولين بأنّ القول السابق قول مخاطبة ، والقول الذي بعده قول تقدير وقضاء أي قدّر الله تحيون فيها وتموتون فيها وتخرجون منها.
وتقديم المجرورات الثّلاثة على متعلّقاتها للاهتمام بالأرض التي جعل فيها قرارهم ومتاعهم ، إذ كانت هي مقرّ جميع أحوالهم.
وقد جعل هذا التّقديم وسيلة إلى مراعاة النّظير ، إذ جعلت الأرض جامعة لهاته