بخلاف المشركين فإنّهم يسألون عنها فيعاقبون على ما تناولوه منها في الدّنيا ، لأنّهم كفروا نعمة المنعم بها ، فأشركوا به غيره كما قال تعالى فيهم : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة : ٨٢] وإلى هذا المعنى يشير تفسير سعيد بن جبير ، والأمر فيه على قراءة رفع : (خالِصَةً) أنّه إخبار عن هذه الزّينة والطّيبات بأنّها لا تعقب المتمتّعين بها تبعات ولا أضرارا ، وعلى قراءة النّصب فهو نصب على الحال المقدرة.
ويحتمل أن يكون الضّمير في (خالِصَةً) عائدا إلى الزّينة والطّيبات ، باعتبار أنواعها لا باعتبار أعيانها ، فيكون المعنى : ولهم أمثالها يوم القيامة خالصة.
ومعنى الخلاص التّمحض وهو هنا التّمحض عن مشاركة غيرهم من أهل يوم القيامة ، والمقصود أنّ المشركين وغيرهم من الكافرين لا زينة لهم ولا طيّبات من الرّزق يوم القيامة ، أي أنّها في الدّنيا كانت لهم مع مشاركة المشركين إياهم فيها ، وهذا المعنى مروي عن ابن عبّاس وأصحابه.
ومعنى : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) كهذا التّفصيل المبتدئ من قوله : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) [الأعراف : ٢٦] الآيات أو من قوله : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [الأعراف : ٣]. وتقدّم نظير هذا التّركيب في سورة الأنعام.
والمراد بالآيات الدّلائل الدّالة على عظيم قدرة الله تعالى ، وانفراده بالإلهيّة ، والدّالة على صدق رسوله محمّد صلىاللهعليهوسلم ، إذ بيّن فساد دين أهل الجاهليّة ، وعلّم أهل الإسلام علما كاملا لا يختلط معه الصّالح والفاسد من الأعمال ، إذ قال : خذوا زينتكم ، وقال : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) [الأعراف : ٣١] ، ثمّ قال : (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف : ٣١] ، وإذ عاقب المشركين على شركهم وعنادهم وتكذيبهم بعقاب في الدّنيا ، فخذلهم حتّى وضعوا لأنفسهم شرعا حرمهم من طيّبات كثيرة وشوّه بهم بين الملإ في الحجّ بالعراء فكانوا مثل سوء ثمّ عاقبهم على ذلك في الآخرة ، وإذ وفق المؤمنين لمّا استعدّوا لقبول دعوة رسوله فاتّبعوه ، فمتّعهم بجميع الطّيبات في الدّنيا غير محرومين من شيء إلّا أشياء فيها ضر علمه الله فحرّمها عليهم ، وسلّمهم من العقاب عليها في الآخرة.
واللّام في قوله : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) لام العلّة ، وهو متعلّق بفعل (نُفَصِّلُ) ، أي تفصيل الآيات لا يفهمه إلّا قوم يعلمون ، فإنّ الله لمّا فصّل الآيات يعلم أنّ تفصيلها لقوم يعلمون ، ويجوز أن يكون الجارّ والمجرور ظرفا مستقرا في موضع الحال من الآيات ، أي حال كونها دلائل لقوم يعلمون ، فإنّ غير الذين لا يعلمون لا تكون آيات لهم إذ لا