تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) في سورة الأنعام [١٥١]. وقد كانوا في الجاهليّة يستحلّون هذه الفواحش وهي مفاسد قبيحة لا يشكّ أولو الألباب ، لو سئلوا ، أنّ الله لا يرضى بها ، وقيل المراد بالفواحش : الزّنا ، وما ظهر منه وما بطن حالان من أحوال الزّناة ، وعلى هذا يتعيّن أن يكون الإتيان بصيغة الجمع لاعتبار تعدّد أفعاله وأحواله وهو بعيد.
وأمّا الإثم فهو كلّ ذنب ، فهو أعمّ من الفواحش ، وتقدّم في قوله تعالى : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) في سورة البقرة [٢١٩]. وقوله : (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) في سورة الأنعام [١٢٠] ، فيكون ذكر الفواحش قبله للاهتمام بالتّحذير منها قبل التّحذير من عموم الذّنوب ، فهو من ذكر الخاص قبل العام للاهتمام ، كذكر الخاص بعد العام ، إلّا أنّ الاهتمام الحاصل بالتّخصيص مع التّقديم أقوى لأنّ فيه اهتماما من جهتين.
وأمّا البغي فهو الاعتداء على حقّ الغير بسلب أموالهم أو بأذاهم ، والكبر على النّاس من البغي ، فما كان بوجه حقّ فلا يسمّى بغيا ولكنّه أذى ، قال الله تعالى : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) [النساء : ١٦] وقد كان البغي شائعا في الجاهليّة فكان القوي يأكل الضّعيف ، وذو البأس يغير على أنعام النّاس ويقتل أعداءه منهم ، ومن البغي أن يضربوا من يطوف بالبيت بثيابه إذا كان من غير الحمس ، وأن يلزموه بأن لا يأكل غير طعام الحمس ، ولا يطوف إلّا في ثيابهم.
وقوله : (بِغَيْرِ الْحَقِ) صفة كاشفة للبغي مثل العشاء الآخرة لأنّ البغي لا يكون إلّا بغير حقّ.
وعطف (الْبَغْيَ) على (الْإِثْمَ) من عطف الخاص على العام للاهتمام به ، لأنّ البغي كان دأبهم في الجاهليّة ، قال سوار بن المضرّب السّعدي :
وأنّي لا أزال أخا حروب |
|
إذا لم أجن كنت مجنّ جان |
والإشراك معروف وقد حرّمه الله تعالى على لسان جميع الأنبياء منذ خلق البشر.
و (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) موصول وصلته ، و (ما) مفعول (تُشْرِكُوا بِاللهِ) ، والسّلطان البرهان والحجّة ، والمجرور في قوله : (بِهِ) صفة ل (سُلْطاناً) ، والباء للمصاحبة بمعنى معه أي لم ينزّل حجّة مصاحبة له ، وهي مصاحبة الحجّة للمدّعي وهي مصاحبة مجازية ويجوز أن يكون الباء بمعنى على للاستعلاء المجازي على حدّ قوله تعالى : (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ