وهذه الجملة تؤكّد الغرض من جملة : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) [الأعراف : ٤] وتحتمل معنيين :
أحدهما : أن يكون المقصود بهذا الخبر المشركين ، بأن أقبل الله على خطابهم أو أمر نبيئه بأن يخاطبهم ، لأنّ هذا الخطاب خطاب وعيد وإنذار.
والمعنى الثّاني : أن يكون المقصود بالخبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فيكون وعدا له بالنّصر على مكذّبيه ، وإعلاما له بأنّ سنّته سنّة غيره من الرّسل بطريقة جعل سنّة أمّته كسنّة غيرها من الأمم.
وذكر عموم الأمم في هذا الوعيد ، مع أنّ المقصود هم المشركون من العرب الذين لم يؤمنوا ، إنّما هو مبالغة في الإنذار والوعيد بتقريب حصوله كما حصل لغيرهم من الأمم على طريقة الاستشهاد بشواهد التّاريخ في قياس الحاضر على الماضي فيكون الوعيد خبرا معضودا بالدّليل والحجّة ، كما قال تعالى في آيات كثيرة منها : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [آل عمران : ١٣٧] أي : ما أنتم إلّا أمة من الأمم المكذّبين ولكلّ أمّة أجل فأنتم لكم أجل سيحين حينه.
وذكر الأجل هنا ، دون أن يقول لكلّ أمّة عذاب أو استئصال ، إيقاظا لعقولهم من أن يغرّهم الإمهال فيحسبوا أنّ الله غير مؤاخذهم على تكذيبهم ، كما قالوا : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢] ، وطمأنة للرسول عليه الصّلاة والسلام بأنّ تأخير العذاب عنهم إنّما هو جري على عادة الله تعالى في إمهال الظّالمين على حدّ قوله : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا) [يوسف : ١١٠] ـ وقوله ـ (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ) [آل عمران : ١٩٦ ، ١٩٧].
ومعنى : (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) لكلّ أمّة مكذّبة إمهال فحذف وصف أمّة أي : مكذّبة.
وجعل لذلك الزّمان نهاية وهي الوقت المضروب لانقضاء الإمهال ، فالأجل يطلق على مدّة الإمهال ، ويطلق على الوقت المحدّد به انتهاء الإمهال ، ولا شكّ أنّه وضع لأحد الأمرين ثمّ استعمل في الآخرة على تأويل منتهى المدّة أو تأخير المنتهى وشاع الاستعمالان. فعلى الأوّل يقال قضى الأجل أي المدّة كما قال تعالى : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) [القصص : ٢٨] وعلى الثّاني يقال : «دنا أجل فلان» وقوله تعالى : (وَبَلَغْنا أَجَلَنَا