ملابسا للحق.
والحق بمعنى العدل ، أو بمعنى الاستحقاق ، أي حق القتل ، كما في الحديث : فإذا قالوها (أي لا إله إلا الله) عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها».
ولما كان الخطاب بالنهي لجميع الأمة كما دل عليه الفعل في سياق النهي كان تعيين الحق المبيح لقتل النفس موكولا إلى من لهم تعيين الحقوق.
ولما كانت هذه الآية نازلة قبل الهجرة فتعيين الحق يجري على ما هو متعارف بين القبائل ، وهو ما سيذكر في قوله تعالى عقب هذا : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً) الآية.
وحين كان المسلمون وقت نزول هذه الآية مختلطين في مكة بالمشركين ولم يكن المشركون أهلا للثقة بهم في الطاعة للشرائع العادلة ، وكان قد يعرض أن يعتدي أحد المشركين على أحد المسلمين بالقتل ظلما أمر الله المسلمين بأن المظلوم لا يظلم ، فقال : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) أي قد جعل لولي المقتول تصرفا في القاتل بالقود أو الدية.
والسلطان : مصدر من السلطة كالغفران ، والمراد به ما استقر في عوائدهم من حكم القود.
وكونه حقا لولي القتيل يأخذ به أو يعفو أو يأخذ الدية ألهمهم الله إليه لئلا ينزوا أولياء القتيل على القاتل أو ذويه ليقتلوا منهم من لم تجن يداه قتلا. وهكذا تستمر الترات بين أخذ ورد ، فقد كان ذلك من عوائدهم أيضا.
فالمراد بالجعل ما أرشد الله إليه أهل الجاهلية من عادة القود.
والقود من جملة المستثنى بقوله : (إِلَّا بِالْحَقِ) ، لأن القود من القاتل الظالم هو قتل للنفس بالحق. وهذه حالة خصها الله بالذكر لكثرة وقوع العدوان في بقية أيام الجاهلية ، فأمر الله المسلمين بقبول القود. وهذا مبدأ صلاح عظيم في المجتمع الإسلامي ، وهو حمل أهله على اتباع الحق والعدل حتى لا يكون الفساد من طرفين فيتفاقم أمره ، وتلك عادة جاهلية. قال الشميذر الحارثي :
فلسنا كمن كنتم تصيبون سلّة |
|
فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا |
ولكن حكم السيف فينا مسلط |
|
فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا |