وهذا الحكم منوط بالقتل الحادث بين الأشخاص وهو قتل العدوان ، فأما القتل الذي هو لحماية البيضة والذب عن الحوزة ، وهو الجهاد ، فله أحكام أخرى. وبهذا تعلم التوجيه للإتيان بضمير جماعة المخاطبين على ما تقدم في قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) [الإسراء : ٣١] وما عطف عليه من الضمائر.
واعلم أن جملة (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً) معطوفة على جملة (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) عطف قصة على قصة اهتماما بهذا الحكم بحيث جعل مستقلا ، فعطف على حكم آخر ، وإلا فمقتضى الظاهر أن تكون مفصولة ، إما استئنافا لبيان حكم حالة تكثر ، وإما بدل بعض من جملة (إِلَّا بِالْحَقِ).
و (من) موصولة مبتدأ مراد بها العموم ، أي وكل الذي يقتل مظلوما. وأدخلت الفاء في جملة خبر المبتدأ لأن الموصول يعامل معاملة الشرط إذا قصد به العموم والربط بينه وبين خبره.
وقوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) هو في المعنى مقدمة للخبر بتعجيل ما يطمئن نفس ولي المقتول. والمقصود من الخبر التفريع بقوله تعالى : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) ، فكان تقديم قوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) تمهيدا لقبول النهي عن السرف في القتل ، لأنه إذا كان قد جعل له سلطان فقد صار الحكم بيده وكفاه ذلك شفاء لغليله.
ومن دلالة الإشارة أن قوله : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) إشارة إلى إبطال تولي ولي المقتول قتل القاتل دون حكم من السلطان ، لأن ذلك مظنة للخطإ في تحقيق القاتل ، وذريعة لحدوث قتل آخر بالتدافع بين أولياء المقتول وأهل القاتل ، ويجر إلى الإسراف في القتل الذي ما حدث في زمان الجاهلية إلا بمثل هذه الذريعة ، فضمير (فَلا يُسْرِفْ) عائد إلى «وليه».
وجملة (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) تعليل للكف عن الإسراف في القتل ، والضمير عائد إلى «وليه».
و (في) من قوله : (فِي الْقَتْلِ) للظرفية المجازية ، لأن الإسراف يجول في كسب ومال ونحوه ، فكأنه مظروف في جملة ما جال فيه.
ولما رأى بعض المفسرين أن الحكم الذي تضمنته هذه الآية لا يناسب إلا أحوال المسلمين الخالصين استبعد أن تكون الآية نازلة بمكة فزعم أنها مدنية ، وقد بينا وجه