لم خص الأرض بالنفي ؛ مع أن المنافقين ليس لهم ولي ولا نصير من عذاب الله في الأرض ولا في السماء ، في الدنيا ولا في الآخرة؟
قلنا : لما كان المنافقون لا يعتقدون الوحدانية ولا يصدقون بالآخرة ، كان اعتقادهم وجود الولي والنصير مقصورا على الدنيا ، فعبّر عن الدنيا ، بالأرض ، وخصها بالذكر لذلك.
الثاني : أنه أراد بالأرض أرض الدنيا والآخرة فكأنه قال : وما لهم في الدنيا والآخرة من ولي ولا نصير.
[٤٠٣] فإن قيل : لم خص السبعين بالذكر في قوله : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠] مع أن الله تعالى لا يغفر للمنافقين ولو استغفر لهم الرسول صلىاللهعليهوسلم ألف مرة بدليل قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [المنافقون : ٦] ولأنهم مشركون ، والله تعالى لا يغفر أن يشرك به؟
قلنا : جرت عادة العرب بضرب المثل في الآحاد بالسبعة ، وفي العشرات بالسبعين ، وفي المئات بسبعمائة استعظاما لها واستكثارا ، لا أنهم يريدون بذكرها الحصر ، فكأنه قال : إن تستغفر لهم أعظم الأعداد وأكثرها فلن يغفر الله لهم ، ويعضده ما ذكره بعد ذلك من بيان الصارف عن المغفرة في قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة : ٨٠].
[٤٠٤] فإن قيل : لو كان ما ذكرتم لما خفي ذلك على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو أفصح العرب وأعلمهم بأساليب الكلام وتمثيلاته ؛ حتّى قال ، لما نزلت هذه الآية : إن الله تعالى قد رخص لي فسأزيد على السبعين. وفي رواية أخرى : فسأستغفر لهم أكثر من السبعين لعل الله أن يغفر لهم؟
قلنا : لم يخف عليه ذلك وإنما أراد بما قال إظهار غلبة رحمته ورأفته بمن بعث إليهم ، كما وصفه الله تعالى بقوله : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة : ١٢٨] الآية وفي إظهار النبي صلىاللهعليهوسلم الرأفة والرحمة لطف لأمته ، وحث لهم على التراحم ، وشفقة بعضهم على بعض ، وهذا دأب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ألا ترى إلى قول إبراهيم صلوات الله عليه (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [إبراهيم : ٣٦].
[٤٠٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة : ٩١] والمغفرة والرحمة إنما تكون للمسيئين لا للمحسنين؟
قلنا : معناه والله غفور رحيم للمسيئين إذا تابوا ، فهو متعلق بمحذوف لا بالمحسنين ؛ لأنهم قد سدوا بإحسانهم طريق العقاب والذم ؛ فليس عليهم سبيل فيهما.