فقال : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) [يونس : ٢٤]؟
قلنا : لأن ماء السماء وهو المطر لا تأثير لكسب العبد فيه ولا حيلة للعبد في زيادته ونقصانه ، كما أن الحياة لا حيلة للعبد في زيادتها ونقصانها.
الثاني : أن ماء السماء يستوي فيه جميع الخلائق ، الوضيع والشريف ، والغني والفقير والحيوان وغيره كالمدر والحجر والشوك والثمر ، كما أن الحياة كذلك ، فكأن تشبيه الحياة بماء السماء أشد مناسبة ومطابقة.
[٤١٨] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) [يونس : ٢٨]. وقال في موضع آخر : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [البقرة : ١٧٤]؟
قلنا : يوم القيامة مواقف ومواطن ، ففي موقف لا يكلمهم ، وفي موقف يكلمهم ، ونظيره قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٣٩] وقوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر : ١٥].
الثاني : المراد أنه لا يكلمهم كلام إكرام ؛ بل كلام توبيخ وتقريع.
[٤١٩] فإن قيل : قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [يونس : ٣١] إلى آخر الآية يدل على أنهم معترفون أن الله تعالى هو الخالق والرازق والمدبر لجميع المخلوقات ، فكيف يعترفون بذلك كله ثم يعبدون الأصنام؟
قلنا : كانوا يعتقدون في عبادة الأصنام أنهم يتقرّبون بها إلى عبادة الله ؛ فطائفة كانت تقول نحن لا نتأهل لعبادة الله تعالى بغير واسطة لعظمة إجلاله ونقصنا وحقارتنا ، فجعلوا الأصنام وسائط ، كما قال تعالى : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] وطائفة كانت تقول : نتخذ أصناما على هيئة الملائكة ونعبدهم لتشفع لنا الملائكة عند الله ليقربونا إلى الله ، وطائفة كانت تقول : الأصنام قبلة لنا في عبادة الله ، كما أن الكعبة قبلة في عبادته ، وطائفة وهي الأكثر كانت تقول : على كل صنم شيطان موكل به من عند الله ، فمن عبد الصنم حقّ عبادته قضى الشيطان حوائجه على وفق مراده بأمر الله ، ومن قصر في عبادة الصنم أصابه الشيطان بنكبة بأمر الله ، فكل الطوائف من عبدة الأصنام كانوا يعتقدون بعبادتهم الأصنام عبادة الله والتقرب إليه ولكن بطرق مختلفة.
[٤٢٠] فإن قيل : كيف قال تعالى : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) [يونس : ٣٤] وهم غير معترفين بوجود الإعادة أصلا لا من الله ولا من غيره؟
قلنا : لما كانت الإعادة ظاهرة الوجود لظهور برهانها وهو القدرة على ابتداء