قلنا : قال ابن الأنباري : إنما جمع في الفعل الثالث ليدل على أنّ الأمة داخلون مع النبي صلىاللهعليهوسلم في الفعلين الأولين. وقال غيره : المراد بالفعل الثالث أيضا النبي صلىاللهعليهوسلم وحده ، وإنّما جمع تفخيما له وتعظيما كما في قوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) [البقرة : ٧٥] على قول ابن عباس ، رضي الله عنهما ، وكما في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) [المؤمنون : ٥١] والمراد به النبي صلىاللهعليهوسلم ، كذا قاله ابن عباس والحسن وغيرهما ، واختاره ابن قتيبة والزّجّاج.
[٤٢٧] فإن قيل : كيف قدم الأرض على السماء في قوله تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [يونس : ٦١] وقدم السماء على الأرض في قوله تعالى في سورة سبأ : (عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [سبأ : ٣]؟
قلنا : حق السماء أن تقدم على الأرض مطلقا لأنها أشرف ، لكنه كما ذكر هنا في صدر الآية شهادته على شئون أهل الأرض وأقوالهم وأعمالهم ثم أردفه بقوله : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ) [يونس : ٦١] ناسب ذلك تقديم الأرض على السماء.
الثاني : أن العطف بالواو نظير التثنية وحكمه حكمها ، فلا يعطى رتبة كالتثنية.
[٤٢٨] فإن قيل : كيف قال تعالى هنا (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [يونس : ٦٥] وقال في موضع آخر [(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون : ٨]؟
قلنا : أثبت الاشتراك في نفس العزة التي هي في حقّ الله تعالى القدرة والغلبة ، وفي حق الرسول صلىاللهعليهوسلم علو كلمته وإظهار دينه ، وفي حقّ المؤمنين نصرهم على أعدائهم ، وقوله تعالى : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [يونس : ٦٥] أراد به العزة الكاملة التي يندرج فيها عزة الإلهية والخلق والإماتة والإحياء والبقاء الدائم وما أشبه ذلك فلا تنافي.
[٤٢٩] فإن قيل : إذا كانت السموات والأرض وما فيهما من المخلوقات وما وراءهما كل ذلك لله تعالى ملكا وخلقا ، فما فائدة التخصيص في قوله تعالى : (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) [يونس : ٦٦]؟
قلنا : إنما خص العقلاء المميزين بالذكر وهم الملائكة والثقلان ، ليعلم أن هؤلاء إذا كانوا عبيدا له وهو ربهم ، ولا يصلح أحد منهم للربوبية ولا للشركة معه ، فما وراءهم مما لا يعقل كالأصنام والكواكب ونحوهما أحق أن لا تكون له ندا وشريكا.
[٤٣٠] فإن قيل : كيف قال لهم موسى عليهالسلام : (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا) [يونس : ٧٧] على طريق الاستفهام ، وهم إنما قالوا ذلك على طريق الإخبار أو التحقيق المؤكد بإن واللام لا على طريق الاستفهام ، قال الله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) [يونس : ٧٦].