اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) [الأحزاب : ١] ويعضده قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء : ٩٤] ويعضد هذا الوجه قوله تعالى بعده : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) [يونس : ١٠٤].
الثالث : أن تكون إن بمعنى ما ، تقديره : فما كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل. المعنى لسنا نأمرك أن تسأل أحبار اليهود والنصارى عن صدق كتابك ، لأنك في شك منه ، بل لتزداد بصيرة ويقينا وطمأنينة.
الرابع : أن الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم مع انتفاء الشك منه قطعا أو المراد به إلزام الحجة على الشاكين الكافرين كما يقول لعيسى عليهالسلام : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [المائدة : ١١٦] وهو عالم بانتفاء هذا القول منه لإلزام الحجة على النصارى.
[٤٣٦] فإن قيل : قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٩٩] ما فائدة ذكر (جَمِيعاً) بعد قوله (كُلُّهُمْ) وهو يفيد الشمول والإحاطة؟
قلنا : كل يفيد الشمول والإحاطة ، ولا يدل على وجود الإيمان منهم بصفة الاجتماع. وجميعا يدل على وجوده منهم في حالة واحدة ، كما تقول جاءني القوم جميعا ، أي مجتمعين ، ونظيره قوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [الحجر : ٣٠].
[٤٣٧] فإن قيل : قوله تعالى : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [يونس : ١٠١] كيف يصح هذا الأمر ؛ مع أنّا لا نعلم جميع ما فيهما ولا نراه؟
قلنا : هو عام أريد ما ندركه بالبصر مما فيهما ، كالشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار والمعادن والحيوانات والنبات ونحو ذلك مما يدل على وجود الصانع وتوحيده وعظيم قدرته ، فيستدل به على ما وراءه.
[٤٣٨] فإن قيل : قوله تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) [الأنعام : ١٧] الآية ما الحكمة في ذكر المس في الضر والإرادة في الخير؟
قلنا : لاستعمال كل من المس والإرادة في كل من الضر والخير ، وأنه لا مزيل لما يصيب به منهما ولا رادّ لما يريده فيهما ، فأوجز الكلام بأن ذكر المس في أحدهما والإرادة في الآخر ليدل بما ذكر على ما لم يذكر ؛ مع أنّه قد ذكر المس فيهما في سورة الأنعام. وإنما عدل هنا عن لفظ المس المذكور في سورة الأنعام إلى لفظ الإرادة ، لأن الجزاء هنا قوله تعالى : (فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) [يونس : ١٠٧] والرد إنما يكون فيما لم يقع بعد ، والمس إنما يكون فيما وقع ، فلهذا قال ثم (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنعام : ١٧] ومعناه فإن شاء أدام ذلك الخير ، وإن شاء أزاله ، فلا يطلب دوامه وزيادته إلا منه تعالى.