قلنا : على قراءة الياء لا إشكال ، لأن يوسف عليهالسلام كان يومئذ دون البلوغ فلا يحرم عليه اللعب ، وعلى قراءة النون نقول كان لعبهم المسابقة والمناضلة ليعودوا أنفسهم الشجاعة لقتال الأعداء لا للهو وذلك جائز بالشرع ، ويعضد هذا قولهم (إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) [يوسف : ١٧] وإنما سمّوه لعبا لأنه في صورة اللّعب. ويرد على أصل السؤال أن يقال : كيف يتورعون عن اللعب وهم قد فعلوا ما هو أعظم حرمة من اللعب وأشد وهو إلقاء أخيهم في الجب على قصد القتل.
[٤٧٨] فإن قيل : كيف اعتذر إليهم يعقوب عليهالسلام بعذرين أحدهما : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) [يوسف : ١٣] لأنه كان لا يصبر عنه ساعة واحدة ، والثاني : خوفه عليه من الذنب ، فأجابوه عن أحد العذرين دون الآخر؟
قلنا : حبه إياه وإيثاره له وعدم صبره على مفارقته هو الذي كان يغيظهم ويؤلمهم فأضربوا عنه صفحا ولم يجيبوا عنه.
[٤٧٩] فإن قيل : كيف قال : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) [يوسف : ١٥] وهو يومئذ لم يكن بالغا ، والوحي إنما يكون بعد الأربعين؟
قلنا : المراد به وحي الإلهام لا وحي الرسالة الذي هو مخصوص بما بعد الأربعين ؛ ونظيره قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) [القصص : ٧] وقوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [النحل : ٦٨].
[٤٨٠] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) [يوسف : ٢٢] ، وقال في حقّ موسى عليهالسلام : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) [القصص : ١٤].
قلنا : المراد ببلوغ الأشد دون الأربعين سنة على اختلاف مقداره ، والمراد بالاستواء بلوغ الأربعين أو الستين ، وكان إيتاء كل واحد منهما الحكم والعلم في ذلك الزمان فأخبر عنه كما وقع.
[٤٨١] فإن قيل : كيف وحد الباب في قوله (وَاسْتَبَقَا الْبابَ) [يوسف : ٢٥] بعد جمعه في قوله : (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) [يوسف : ٢٣].
قلنا : لأن إغلاق الباب للاحتياط لا يتم إلا بإغلاق جميع أبواب الدار ، سواء كانت كلها في جدار الدار أو لا ؛ وأما هربه منها إلى الباب فلا يكون إلا إلى باب واحد إن كانت كلها في جدار الدار ، ولأن خروجه في وقت هربه لا يتصور إلا من باب واحد منها ، وإن كان بعض الأبواب داخل بعض فإنه أول ما يقصد الباب الأدنى لقربه ، ولأن الخروج من الباب الأوسط والباب الأقصى موقوف على الخروج من الباب الأدنى فلذلك وحد الباب.