والنخعي والزهري رضي الله عنهم «ولوالدي» يعني إسماعيل وإسحاق ، ويعضد هذه القراءة سبق ذكرهما ، ولا إشكال على هذه القراءة.
وقيل : إن هذا الدّعاء على القراءة المشهورة كان زلة من إبراهيم صلوات الله عليه ، وإليها أشار بقوله : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء : ٢٨].
[٥٢٨] فإن قيل : الله تعالى منزه ومتعال عن الغفلة ، والنبي عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بصفات جلاله وكماله ، فكيف يحسبه النبي عليه الصلاة والسلام غافلا وهو أعلم الخلق بالله حتى نهاه عن ذلك بقوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم : ٤٢]؟
قلنا : يجوز أن يكون هذا نهيا لغير النبيّ عليه الصلاة والسلام ممن يجوز أن يحسبه غافلا لجهله بصفاته ، وقوله تعالى ، بعده : (وَأَنْذِرِ النَّاسَ) [إبراهيم : ٤٤] ، لا يدل قطعا على أن الخطاب الأول للنّبيّ عليه الصلاة والسلام ، لجواز أن يكون ذلك النهي لغيره مع أن هذا الأمر له.
الثاني : أنه مجاز معناه : ولا تحسبن الله مهمل الظالمين وتاركهم سدى ، أي لكون هذا من لوازم الغفلة عنهم.
الثالث : أن النهي وإن كان حقيقة والخطاب للنّبيّ عليه الصلاة والسلام فالمراد به دوامه وثباته على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلا كقوله تعالى : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [القصص : ٨٧] وقوله تعالى : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) [الشعراء : ٢١٣] ونظير هذا النهي من الأمر قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [النساء : ١٣٦] وقول بعض المفسرين : إن معنى الآية يا أيها الذين آمنوا بموسى أو بعيسى آمنوا بمحمّد عليه الصلاة والسلام لا يخرج الآية عن كونها نظيرا ؛ لأنّ الاستبدال بالإيمان بالله باق ، فتأمّل.