قلنا : إضافة الإضلال إليها مجاز بطريق المشابهة. ووجهه أنهم لما ضلوا بسببها فكأنها أضلتهم ، كما يقال فتنتهم الدنيا وغرتهم ، أي افتتنوا بسببها واغتروا ، ومثله قولهم : دواء مسهل ، وسيف قاطع ، وطعام مشبع ، وماء مرو وما أشبه ذلك. ومعناه : حصول هذه الآثار بسبب هذه الأشياء ، وفاعل الآثار هو الله تعالى.
[٥٢٤] فإن قيل : كيف قال : (أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) [إبراهيم : ٣٧] ولم يقل أفئدة الناس ، وقوله قلوب الناس أظهر استعمالا من قوله قلوبا من الناس؟
قلنا : قال ابن عباس ، رضي الله تعالى عنهما ، لو قال إبراهيم عليهالسلام في دعائه أفئدة الناس ، لحجت جميع الملل وازدحم عليه الناس حتى لم يبق لمؤمن فيه موضع ، مع أن حج غير الموحدين لا يفيد ، والأفئدة هنا القلوب في قول الأكثرين ، وقيل : الجماعة من الناس.
[٥٢٥] فإن قيل : إذا كان الله تعالى قد ضمن رزق العباد ، فلم سأل إبراهيم عليهالسلام الرزق لذريته فقال : (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) [إبراهيم : ٣٧]؟
قلنا : الله تعالى ضمن الرزق والقوت الذي لا بد للإنسان منه ما دام حيا ولم يضمن كونه ثمرا أو حبا أو نوعا معينا ، فالسؤال كان لطلب الثمر عينا.
[٥٢٦] فإن قيل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) [إبراهيم : ٣٩] شكر على نعمة الولد ، فكيف يناسبه بعده (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) [إبراهيم : ٣٩]؟
قلنا : لما كان قد دعا ربه لطلب الولد بقوله : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات : ١٠٠] فاستجاب له ، ناسب قوله بعد الشكر : (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) [إبراهيم : ٣٩] أي لمجيبه من قولهم : سمع الملك قول فلان إذا أجابه وقبله ، ومنه قولهم في الصلاة «سمع الله لمن حمده» أي أجابه وأثابه.
[٥٢٧] فإن قيل : كيف قال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) [نوح : ٢٨] استغفر إبراهيم لوالديه وكانا كافرين ، والاستغفار للكافرين لا يجوز ، ولا يقال إن هذا موضع الاستثناء المذكور في قوله تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) [التوبة : ١١٤] الآية ، لأن المراد بذلك استغفاره لأبيه خاصة بقوله : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٨٦] والموعدة التي وعدها إيّاه إنما كانت له خاصة بقوله : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) [مريم : ٤٧] ولهذا قال تعالى : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) [الممتحنة : ٤]؟
قلنا : هذا الاستغفار لهما كان مشروطا بإيمانهما تقديرا ، كأنه قال ولوالدي إن آمنا.
الثاني : أنه أراد بهما آدم وحواء صلوات الله عليهما ، وقرأ ابن مسعود وأبي