الشمول والإحاطة وأفاد التوكيد ؛ فما فائدة قوله : (أَجْمَعُونَ) [الحجر : ٣٠]؟
قلنا : قال سيبويه والخليل : هو توكيد بعد توكيد ، فيفيد زيادة تمكين المعنى وتقريره في الذّهن ، فلا يكون تحصيل الحاصل ؛ بل تكون نسبة أجمعون كنسبة كلهم إلى أصل الجملة. وقال المبرد : قوله تعالى : (أَجْمَعُونَ) [الحجر : ٣٠] يدل على اجتماعهم في زمان السجود ، وكلهم يدل على وجود السجود من الكل ، فكأنّه قال : فسجد الملائكة كلهم معا في زمان واحد. واختار ابن الأنباري هذا القول ، واختار الزّجّاج وأكثر الأئمة قول سيبويه وقالوا : لو كان الأمر كما زعم المبرد لكان أجمعون حالا لوجود حد الحال فيه ، وليس بحال لأنه مرفوع ولأنه معرفة كسائر ألفاظ التوكيد.
[٥٣٢] فإن قيل : ما وجه ارتباط قوله تعالى : (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) [الحجر : ٥١] بما قبله من قوله تعالى : (نَبِّئْ عِبادِي) [الحجر : ٤٩] الآيتين؟
قلنا : لما أنزل الله عزوجل : (نَبِّئْ عِبادِي) [الحجر : ٤٩] الآيتين ولم يعين أهل المغفرة وأهل العذاب غلب الخوف على الصحابة رضي الله عنهم ، فأنزل الله تعالى بعد ذلك قصة ضيف إبراهيم عليهالسلام ليزول خوف الصحابة وتسكن قلوبهم ، فإن ضيف إبراهيم عليهالسلام جاءوا ببشارة للولي وهو إبراهيم ، وعقوبة للعدو وهم قوم لوط عليهالسلام وكذلك تنزل الآيتين المتقدمتين على الولي والعدو لا على الولي وحده.
الثاني : أن وجه الارتباط أن العبد وإن كان كثير الذنوب والخطايا غير طامع في المغفرة ، لا يبعد أن يغفر الله تعالى له على يأسه ، كما رزق إبراهيم الولد على يأسه بعد ما شاخ وبلغ مائة سنة أو قريبا منها.
[٥٣٣] فإن قيل : كيف قالت الملائكة : (قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) [الحجر : ٦٠] أي قضينا ، والقضاء لله تعالى لا لهم؟
قلنا : إسناد التقدير للملائكة هو مجاز ، كما يقول خواص الملك ، دبرنا كذا وأمرنا بكذا ونهينا عن كذا ، ويكون الفاعل لجميع ذلك هو الملك لا هم ، وإنما يظهرون بذلك مزيد قربهم واختصاصهم بالملك.
[٥٣٤] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) [الحجر :
__________________
ـ الحروف ، الجمل ، جملة آلات العرب ، كتاب العروض ، النقط والشكل ، تفسير حروف اللغة ، الخ.
ـ المبرّد : هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي ، أبو العباس ، اشتهر بالمبرّد. كان إمام العربية في بغداد في زمنه ، وإماما في الأدب. ولد في البصرة سنة ٢١٠ ه وتوفي سنة ٢٨٦ في بغداد. من مؤلفاته : الكامل ، المقتضب ، التعازي والمراثي ، شرح لامية العرب ، إعراب القرآن ، طبقات النحاة البصريين ، الخ.