عن ذي القرنين أنّه وجدها تغرب في عين حمئة أو حامئة على اختلاف القراءتين؟
قلنا : المراد بقوله تعالى : (وَجَدَها) أي في زعمه وظنه ، كما يرى راكب البحر إذا لجّ فيه وغابت عنه الأطراف والسواحل أن الشمس تطلع من البحر وتغرب فيه ، فذو القرنين انتهى إلى آخر البنيان في جهة المغرب فوجد عينا حمئة واسعة عظيمة فظن أن الشمس تغرب فيها.
[٦٤٠] فإن قيل : ذو القرنين كان نبيا أو تقيا حكيما على اختلاف القولين ، فكيف خفي عليه هذا حتى وقع في الظن المستحيل الذي لا يقبله العقل؟
قلنا : الأنبياء والأولياء والحكماء ليسوا معصومين عن ظن الغلط الخطأ ، وإن كانوا معصومين عن الكبائر. ألا ترى إلى ظن موسى عليهالسلام فيما أنكره على الخضر عليهالسلام في القضايا الثلاث ، وظنه أنه يرى الله تعالى في الدنيا وهو من كبار الأنبياء ، وكذلك يونس عليهالسلام على ما أخبر الله تعالى بقوله : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) [الأنبياء : ٨٧] وكان الواقع بخلاف ظنه.
الثاني : أن الله تعالى قادر على تصغير جرم الشمس وتوسيع العين الحمئة وكرة الأرض بحيث تسع عين الماء عين الشمس ، فلم لا يجوز أن يكون قد وقع ذلك ولم نعلم به لقصور علمنا عن الإحاطة بذلك!! [٦٤١] فإن قيل : قوله تعالى : (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) [الكهف : ٨٦] ، يدل على أنه كان نبيا ، لأن الله تعالى خاطبه.
قلنا : من قال إنه ليس نبيا يقول هذا الخطاب له كان بواسطة النّبيّ الموجود في زمانه كما في قوله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) [البقرة : ٤٩] وما أشبه.
[٦٤٢] فإن قيل : كيف قال الله تعالى هنا ، في حقّ الكفار : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) [الكهف : ١٠٥] ، أي فلا ننصب لهم ميزانا ؛ لأنّ الميزان إنما ينصب لتوزن به الحسنات بمقابلة السيئات ، والكافر لا حسنة له ولا طاعة لقوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣] وقال في موضع آخر : (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) [القارعة : ٨ ، ٩] أي فمسكنه النار فأثبت له ميزانا.
قلنا : معنى قوله تعالى : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) [الكهف : ١٠٥] أي لا يكون لهم عندنا قدر ولا خطر لخستهم وحقارتهم ، ولو كان معناه ما ذكرتم يكون المراد بقوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) [القارعة : ٨ ، ٩] من غلبت سيئاته على حسناته من المؤمنين فإنه يستكين في النار ، ولكن لا يخلد فيها بل بقدر ما يمحص عنه ذنوبه فلا تنافي بينهما.