قلنا : هذا مجاز بطريق المشابهة ؛ لأنّ الجدار بعد مشارفته ومداناته للانقضاض وللسقوط شابه من يعقل ، ويريد في تهيئه للسقوط فظهر منه هيئة السقوط كما تظهر ممّن يعقل ، ويريد ، فنسبت إليه الإرادة مجازا بطريق المشابهة في الصّورة. وقد أضافت العرب أفعال العقلاء إلى ما لا يعقل مجازا قال الشاعر :
يريد الرّمح صدر أبي براء |
|
ويعدل عن دماء بني عقيل |
وقال حسان :
إنّ دهرا يلفّ شملي بجمل |
|
لزمان يهمّ بالإحسان |
ومن أمثاله «تمرّد مارد ، وعزّ الأبلق» ومنه قوله تعالى : (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) [الأعراف : ١٥٤] وقوله : (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) [محمد : ٢١] وقوله : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] ونظائره كثيرة.
[٦٣٧] فإن قيل : لأي سبب لم يفارقه الخضر عليهالسلام عند الاعتراض الأول والثاني وفارقه عند الثالث؟
قلنا : لوجهين :
أحدهما : أن موسى عليهالسلام شرط على الخضر ترك مصاحبته على تقدير وجود الاعتراض الثالث وقد وجد ، فكان راضيا به.
الثّاني : أنّ اعتراض موسى ، عليهالسلام ، في المرة الأولى والثّانية كان تورّعا وصلابة في الدّين ، واعتراضه في المرّة الثّالثة لهوى نفسه وشهوة بطنه فأعقبه هواه هوانا.
[٦٣٨] فإن قيل : قوله : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) [الكهف : ٧٩] علّته خوف الغصب ، فكان حقه أن يتأخر عن علّته فلم قدم عليها؟
قلنا : هو متأخر عنه ؛ لأن علّة تعييبها أو علّة إرادته تعييبها خوف الغصب ، وخوف الغصب سابق ؛ لأنّه الحامل للخضر عليهالسلام على ما فعله. وفي قراءة أبيّ وعبد الله رضي الله عنهما «كل سفينة صالحة» ولا بد من إضمار هذه الزيادة على قراءة الجمهور وإلّا لم يفد الخرق.
[٦٣٩] فإن قيل : الشّمس في السماء الرابعة وهي بقدر كرة الأرض مائة وستين مرة ، وقيل مائة وخمسين ، وقيل مائة وعشرين ، فكيف تسعها عين في الأرض حتى أخبر الله تعالى
__________________
[٦٣٧] قول المصنف هنا : «لهوى نفسه الخ» فيه جرأة واضحة على مقام نبي من أولي العزم ، وسيتكرّر مثل هذا الكلام في غير موضع من هذا الكتاب ، وكأن الرازي لا يفقه معنى عصمة الأنبياء سلام الله عليهم!