المعجزة وأنزل الكتاب عليه ، والنبي فقط من لم ينزل عليه كتاب ، وإنما أمر أن يدعو أمته إلى شريعة من قبله. وقيل : الرسول من كانت له معجزة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والنبي من لم تكن له منهم معجزة ، وفي هذا نظر. وقيل : الرسول من كان مبعوثا إلى أمة ، والنبي فقط من لم يكن مبعوثا إلى أحد مع كونه نبيا. والجواب عن الآية على هذا القول أن فيه إضمارا تقديره : وما أرسلنا من رسول ولا نبأنا من نبي أو ولا كان من نبي ، ونظيره قول الشاعر :
ورأيت زوجك في الوغى |
|
متقلّدا سيفا ورمحا |
أي ومتعلقا رمحا أو حاملا رمحا.
[٧٢٣] فإن قيل : أين المثل المضروب في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) [الحج : ٧٣] والمذكور بعده وهو قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [الحج : ٧٣] إلى آخره ليس بمثل ، بل هو كلام مبتدأ مستقل بنفسه؟
قلنا : الصفة والقصة الغريبة أو المستحسنة تسمى مثلا ، ومنه قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) [البقرة : ١٧] فالمعنى يثبت بصفة ، وهي عجز الصنم عن خلق الذباب واستنقاذ ما يسلبه ، وقيل : هو إشارة إلى قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) [العنكبوت : ٤١] وإنما أبهمه هنا لأنهم كانوا لا يصغون إلى سماع القرآن ، ولهذا قالوا : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت : ٤١] وكانوا يحبون الأمثال ، فذكر لفظ المثل استدراجا لهم إلى سماع القرآن والإصغاء إليه.
[٧٢٤] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج : ٧٨] مع أن قطع اليد التي تساوي خمسة آلاف درهم بسبب سرقة عشرة دراهم حرج في الدين ؛ وكذا رجم المحصن بسبب الوطء مرة واحدة ، ووجوب صوم شهرين متتابعين بسبب إفطار يوم واحد من رمضان بوطء ، والمخاطرة بالنفس والمال في الحج والعمرة ، كل ذلك حرج بيّن؟
قلنا : المراد بالدين كلمة التوحيد ، فإنها تكفر شرك سبعين سنة ، ولا يتوقف تأثيرها على الإيمان والإخلاص سبعين سنة ، ولا على أن يكون الإتيان بها في بيت الله تعالى أو في زمان أو مكان معين. وقيل : المراد به أن كل ما يقع فيه الإنسان من الذنوب والمعاصي يجد له مخرجا في الشرع بتوبة أو كفارة أو رخصة. وقيل : المراد به فتح باب التوبة للمذنبين ، وفتح أبواب الرخص للمعذورين ، وشروع الكفارات والأروش والديات. وقيل : المراد به نفي الحرج الذي كان على بني إسرائيل من الإصر والتشديد.