قلنا : هو خطاب لمن كان يعبد غير الله ، وينسب أفعاله إلى سواه ؛ فأخبرهم أنّه إذا كشف لهم الغطاء ، يوم القيامة ، ردّوا ما أضافوه لغيره ؛ بسبب كفرهم وظلمهم ؛ ولأنّ رجع يستعمل بمعنى صار ووصل ، كقولهم : رجع عليّ من فلان مكروه ؛ قال الشّاعر :
وما المرء إلّا كالشّهاب وضوئه |
|
يحور رمادا بعد إذ هو ساطع |
ولأنّها كانت إليه قبل خلق عبيده ؛ فلما خلقهم ملّكهم بعضها ، خلافة ونيابة ؛ ثم ، رجعت إليه ، بعد هلاكهم ؛ ومنه قوله تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) [غافر : ١٦] ، وقوله تعالى : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) [الفرقان : ٢٦]. وإنّما قال : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [البقرة : ٢١٠] ، ولم يقل : إليه ، وإن كان قد سبق ذكره مرّة ، لقصد التّعميم والتّعظيم ؛ وذلك ينافي الإيجاز والاختصار.
[٥٣] فإن قيل : كيف طابق الجواب السؤال في قوله : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [البقرة : ٢١٥] ، فإنّهم سألوا عن بيان ما ينفقون ، وأجيبوا عن بيان المصرف؟
قلنا : قد تضمن قوله تعالى : (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) [البقرة : ٢١٥] بيان ما ينفقونه وهو كل خير ، ثم زيد على الجواب بيان المصرف ونظيره قوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى قالَ هِيَ عَصايَ) [طه : ١٧ ، ١٨] الآية ، وقوله عليه الصلاة والسلام ـ وقد سئل عن الوضوء بماء البحر ـ «هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته».
[٥٤] فإن قيل : كيف جاء يسألونك ثلاث مرات بغير واو (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) [البقرة : ٢١٥ ـ ٢١٩] ثم جاء ثلاث مرات بالواو : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) [البقرة : ٢١٩ ـ ٢٢٢].
قلنا : لأن سؤالهم عن الحوادث الأول وقع متفرقا ، وعن الحوادث الأخر وقع في وقت واحد ، فجيء بحرف الجمع دلالة على ذلك.
__________________
[٥٣] الحديث أخرجه : مالك في الموطأ ، ٢ ـ كتاب الطهارة ، ٣ ـ باب الطهور للوضوء ، حديث ٤٣.
أبو داود ، ١ ـ كتاب الطهارة ، ٤١ ـ باب الوضوء بماء البحر ، حديث ٨٣.
الترمذي ، أبواب الطهارة ، ٥٢ ـ باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور ، حديث ٦٩ ، النسائي ، ١ ـ كتاب الطهارة ، ٤٧ ـ باب ماء البحر ، حديث ٥٩.
ابن ماجة ، ١ ـ كتاب الطهارة وسننها ، ٣٨ ـ باب الوضوء بماء البحر ، حديث ٣٨٦ و ٣٨٧ و ٣٨٨.
الحلّ : (بكسر الحاء) الحلال.
ميتته : (بفتح الميم) حيوان البحر الذي يموت فيه.