[٥١] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة : ٢٠٣] ، ومعلوم أن المتعجّل التّارك بعض الرّمي إذا لم يكن عليه إثم لا يكون على المتأخّر الآتي بالرّمي كاملا؟
قلنا : كان أهل الجاهلية فريقين : منهم من جعل المتعجّل آثما ، ومنهم من جعل المتأخّر آثما ؛ فأخبر الله تعالى بنفي الإثم عنهما جميعا ؛ أو معناه لا إثم على المتأخّر ، في تركه الأخذ بالرخصة ؛ مع أنّ الله تعالى يحبّ أن تؤتى رخصه ، كما يحبّ أن تؤتى عزائمه ؛ أو أنّ معناه أنّ انتفاء الإثم عنهما موقوف على التّقوى ، لا على مجرّد الرّخصة أو العزيمة في الرّمي.
ثم ، قيل : المراد به تقوى المعاصي في الحجّ. وقيل : تقوى المعاصي بعد الحجّ ، في بقيّة العمر ، بالوفاء بما عاهد الله تعالى عليه ، بعرفة وغيرها من مواقف الحجّ ، من التّوبة والإنابة.
والمشكل ، في هذه الآية ، قوله تعالى : (فِي يَوْمَيْنِ) [البقرة : ٢٠٣] ، والتّعجيل المرخّص فيه إنّما هو التّعجيل في اليوم الثّاني ، من أيّام التّشريق ؛ فكيف ذكر لفظ اليومين ، وأراد بهما اليوم الثّاني ، فقط؟
[٥٢] فإن قيل : كيف قال : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [البقرة : ٢١٠] وهو يدلّ على أنّها كانت إلى غيره ، كقولهم : رجع إلى فلان عبده ومنصبه؟
__________________
[٥٢] البيت في ديوان لبيد. والشاهد فيه قوله : يحور ، وهو مأخوذ من الحور وهو الرجوع والنقصان.
والمعنى : يعود أو يرجع أو يؤول إلى حال الرماد.
ـ ساطع : مرتفع.
ـ الشهاب : شعلة من نار.
أما ما يتعلق بالسؤال وجوابه ، فقد سبق أن طرح الشريف الرضي في كتابه حقائق التأويل هذه المسألة وبسط الجواب فيها من وجوه. وما جاء به الرازي هنا ، مجرد تلخيص لبعضها ، غير أن ما يستوقفنا عند الرضي شرحه لمعنى الرجوع ، ننقله لفائدته. يقول :
«والصحيح في ذلك أن أصل الرّجع والرجوع ـ في اللغة ـ إنّما هو انعطاف الشيء إليك ، وانقلابه نحوك ، لا أنه كان عندك ففارقك ، ثم رجع إليك ، وإنما استعمل في المعنى الأخير مجازا ، وحقيقته ما ذكرناه. وفي كلامهم الرّجعة المرّة الواحدة ؛ ومن ذلك قولهم : رجعت إليه القول ، أي خاطبته وصرفت قولي إليه. ويقولون : هل جاءتك رجعة كتابك؟ ورجعانه ، أي جوابه. وقال الشاعر :
كأنّ من عسل رجعان منطقها |
|
إن كان رجع كلام يشبه العسلا |
قال تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) [طه : ٨٩]. وكل ذلك يدل على المعنى الذي قلناه» (ص ٣٣١).
والبيت الذي أورده الرضي منسوب للحكيم بن ريحان من بني عمر بن كلاب ، كما أفاد محقق الكتاب.