قلنا : روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أنّه قال : «ما من مسلم دعا الله بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم إلّا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال : إمّا أن يعجّل دعوته ، وإمّا أن يدّخرها له في الآخرة ، وإمّا أن يدفع عنه من السوء مثلها». ولأنّ قبول الدّعاء شرطه الطّاعة لله تعالى ، وأكل الحلال ، وحضور القلب ، وقت الدّعاء ؛ فمتى اجتمعت هذه الشّروط ، حصلت الإجابة. ولأنّ الدّاعي قد يعتقد مصلحته في الإجابة ، والله تعالى يعلم أنّ مصلحته في تأخير ما سأل ، أو في منعه ، فيجيبه إلى مقصوده الأصلي وهو طلب المصلحة ؛ فيكون قد أجيب ، وهو يعتقد أنّه منع عنه.
[٤٨] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [البقرة : ١٩٦] ؛ ومعلوم أنّ ثلاثة وسبعة عشرة؟ ثمّ ، ما فائدة قوله : (كامِلَةٌ) ، والعشرة لا تكون إلّا كاملة ؛ وكذا جميع أسماء الأعداء لا تصدق على أقلّ من المذكور ، ولا على أكثر منه؟
قلنا : فائدة قوله : (تِلْكَ عَشَرَةٌ) أن لا يتوهّم أن الواو بمعنى أو ، كما في قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [النساء : ٣] ، وألّا تحلّ التّسع جملة.
فنفى بقوله : (تِلْكَ عَشَرَةٌ) ظنّ وجوب أحد العددين ، فقط ؛ إمّا الثّلاثة في الحجّ ، أو السبعة بعد الرّجوع ؛ وأن يعلم العددين من جهتين جملة وتفصيلا ، فيتأكد العلم به ؛ ونظيره فذلكة الحساب وتنصيف الكتاب. وأمّا قوله تعالى : (كامِلَةٌ) فتأكيد ، كما في قوله تعالى : (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) [البقرة : ٢٣٣] ، أو معناه كاملة في الثّواب ؛ مع وقوعها بدلا عن الهدى ، أو في وقوعها موقع المتتابع ؛ مع تفرّقها ، أو في وقوعها موقع الصوم بمكّة ؛ مع وقوع بعضها في غير مكّة ؛ فالحاصل ، أنّه كمال وصفا لا ذاتا.
[٤٩] فإن قيل : ما فائدة تكرار الأمر بالذّكر في قوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) [البقرة : ١٩٨]؟
قلنا : إنّما كرّره تنبيها على أنّه أراد ذكرا مكرّرا ، لا ذكرا واحدا ؛ بل مرّة بعد أخرى ؛ ولأنه زاد في الثّاني فائدة أخرى ، وهي قوله تعالى : (كَما هَداكُمْ) ، يعني اذكروه بأحديّته ، كما ذكركم بهدايته ؛ أو إشارة إلى أنّه أراد بالذّكر الأول الجمع بين الصلاتين بمزدلفة ، وبالثّاني الدّعاء ، بعد الفجر ، بها ، فلا تكرار.
[٥٠] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) [البقرة : ١٩٨]. إلى أن قال : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) [البقرة : ١٩٩] وأراد به الإفاضة من عرفات بلا خلاف ، وبعد المجيء إلى مزدلفة والذّكر فيها مرّتين ، كما فسّرنا كيف يفيضون من عرفات.
قلنا : فيه تقديم وتأخير تقديره : من ربّكم. ثم ، أفيضوا من حيث أفاض الناس ، فإذا أفضتم من عرفات.