[٤٢] فإن قيل : كيف قال : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) [البقرة : ١٧٨] ، أي فرض ؛ والقصاص ليس بفرض ؛ بل الوليّ مخيّر فيه ؛ بل مندوب إلى تركه؟
قلنا : المراد به فرض على القاتل التّمكين ، لا أنّه فرض على الوليّ الاستيفاء.
[٤٣] فإن قيل : كيف قال : (الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [البقرة : ١٨٠] ، عطف الأقربين على الوالدين ، وهما أقرب الأقربين ، والعطف يقتضي المغايرة؟
قلنا : الوالدان ليسا من الأقربين ؛ لأنّ القريب من يدلي إلى غيره بواسطة ، كالأخ والعمّ ونحوهما ؛ والوالدان ليسا كذلك ؛ ولو كانا منهم ، لكان تخصيصهما بالذّكر لشرفهما ، كقوله تعالى : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨].
[٤٤] فإن قيل : كيف قال : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة : ١٨٣] ، وصوم هذه الأمّة ليس كصوم أمّة موسى وعيسى ، عليهماالسلام؟
قلنا : التّشبيه في أصل الصوم ، لا في كيفيّته ، أو في كيفيّة الإفطار ؛ فإنّه كان ، في أوّل الأمر ، الإفطار مباحا ، من غروب الشّمس إلى وقت النوم ، فقط ؛ كما كان في صوم من قبلنا ؛ ثم نسخ بقوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ) [البقرة : ١٨٧] الآية ، أو في العدد ، أيضا ؛ على ما روي عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أنّه قال : فرض على النصارى صوم رمضان بعينه. فقدّموا عشرة ، أو أخّروا عشرة ؛ لئلّا يقع في الصيف. وجبروا التّقديم والتّأخير ، بزيادة عشرين. فصار صومهم خمسين يوما ، بين الصيف والشّتاء.
[٤٥] فإن قيل : ما فائدة قوله : (وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) [البقرة : ١٨٥] ، بعد قوله : (هُدىً لِلنَّاسِ)؟
قلنا : ذكر أوّلا أنّه هدى ؛ ثمّ ذكر أنّه بيّنات من الهدى ، أي من جملة ما هدى الله به عبيده ، وفرّق به بين الحقّ والباطل ، من الكتب السماويّة الهادية الفارقة بين الحقّ والباطل ؛ فلا تكرار.
[٤٦] فإن قيل : ما فائدة إعادة ذكر المريض والمسافر؟
قلنا : فائدته أن الآية المتقدمة نسخ ممّا فيها تخيير الصحيح ، وكان فيها تخيير المريض والمسافر ، أيضا ؛ فأعيد ذكرهما لئلّا يتوهّم أنّ تخييرهما نسخ ، كما نسخ تخيير الصحيح.
[٤٧] فإن قيل : قوله تعالى : (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) [البقرة : ١٨٦] يدلّ على أنّه يجيب دعاء الدّاعين ، ونحن نرى كثيرا من الدّاعين لا يستجاب لهم؟!
__________________
[٤٧] الحديث أخرجه الترمذي ٤٩ ـ كتاب الدعوات ، الباب ١٣٥ ، حديث ٣٦١٨ مرفوعا من طريق أبي الزناد عن أبي هريرة.
وهو في الموطأ ١٥ ـ كتاب القرآن ، ٨ ـ باب ما جاء في الدعاء ، حديث ٥٠٢.