(وَاشْكُرُوا لِي) [البقرة : ١٥٢] ؛ والشّكر نقيض الكفر ؛ فمتى وجد الشّكر انتفى الكفر؟
قلنا : قوله : (وَاشْكُرُوا لِي) معناه : استعينوا بنعمتي على طاعتي ، وقوله : (وَلا تَكْفُرُونِ) معناه : لا تستعينوا بنعمتي على معصيتي. وقيل : الأوّل أمر بالشكر. والثاني أمر بالثّبات عليه.
[٣٧] فإن قيل : كيف قال : (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [البقرة : ١٦١] ، وأهل دينه لا يلعنونه إذا مات على دينهم؟
قلنا : المراد بالنّاس المؤمنون فقط ؛ أو هو على عمومه ، وأهل دينه يلعنونه في الآخرة ؛ قال الله تعالى : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [العنكبوت : ٢٥] ، وقال : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) [الأعراف : ٣٨].
[٣٨] فإن قيل : ما الفائدة في قوله : (إِلهٌ) في : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [البقرة : ١٦٣] ؛ فهلّا قال : وإلهكم واحد ، فكان أخصر وأوجز؟
قلنا : لو قال : وإلهكم واحد ، لكان ظاهره إخبارا عن كونه واحدا في الإلهية ، يعني لا إله غيره ، ولم يكن إخبارا عن توحّده في ذاته ؛ بخلاف ما إذا كرّر ذكر الإله.
والآية إنّما سيقت لإثبات أحديته في ذاته ، ونفي ما يقوله النصارى أنّه واحد ، والأقانيم ثلاثة ، أي الأصول ؛ كما أنّ زيدا واحدا ، وأعضاؤه متعدّدة. فلمّا قال : إله واحد دلّ على أحديّة الذّات والصفة. ولقائل أن يقول : قوله : واحد يحتمل الأحديّة في الذّات ، ويحتمل الأحديّة في الصفات ، سواء كرّر ذكر الإله أو لم يكرّر ؛ فلا يتمّ الجواب.
[٣٩] فإن قيل : ما وجه صحّة التّشبيه في قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) [البقرة : ١٧١] وظاهره تشبيه الكفّار بالرّاعي؟
قلنا : فيه إضمار تقديره : ومثلك يا محمّد ، مع الكفّار ، كمثل الرّاعي مع الأنعام ؛ أو تقديره : ومثل الّذين كفروا كمثل بهائم الرّاعي ؛ أو ومثل واعظ الذين كفروا كمثل الناعق بالبهائم ؛ أو مثل الّذين كفروا ، في دعائهم الأصنام ، كمثل الرّاعي.
[٤٠] فإن قيل : كيف خصّ المنعوق ، بأنّه لا يسمع إلّا دعاء ونداء ؛ مع أنّ كلّ عاقل كذلك ؛ أيضا لا يسمع إلّا دعاء ونداء؟
قلنا : المراد بقوله : لا يسمع أنّه لا يفهم كقولهم : أساء سمعا فأساء إجابة ، أي أساء فيهما.
[٤١] فإن قيل : كيف قال : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [البقرة : ١٧٤] ، وقال في موضع آخر : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر : ٩٢ ، ٩٣].
قلنا : المنفي كلام التلطّف والإكرام ، والمثبت سؤال التوبيخ والإهانة ؛ فلا تنافي.