الثاني : أنه كان ملكا مع كونه نبيا فراعى سياسة الملك وتكلم بكلام الملوك.
[٧٩٧] فإن قيل : كيف حل له تعذيب الهدهد حتّى قال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) [النمل : ٢١]؟
قلنا : لعل ذلك أبيح له خاصة كما خص بفهم منطق الطير وتسخيره له وغير ذلك.
[٧٩٨] فإن قيل : كيف استعظم الهدهد عرشها مع ما كان يرى من ملك سليمان عليهالسلام حتى قال ولها عرش عظيم؟
قلنا : يجوز أنه استصغر حالها بالنسبة إلى حال سليمان ، فاستعظم لها ذلك العرش.
الثاني : أنه يجوز أن لا يكون لسليمان مثله وإن عظمت مملكته في كل شيء كما يكون لبعض الأمراء شيء لا يكون للملك مثله.
[٧٩٩] فإن قيل : كيف قال الهدهد (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل : ٢٣] مع قول سليمان صلوات الله وسلامه عليه (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل : ١٦] فكأنه سوّى بينهما؟
قلنا : بينهما فرق ؛ وهو أن الهدهد أراد به ، وأوتيت من كلّ شيء من أسباب الدنيا ؛ لأنه عطف على الملك ، وسليمان أراد به وأوتينا من كل شيء من أسباب الدين والدنيا ويؤيد ذلك عطفه على المعجزة وهي منطق الطير.
[٨٠٠] فإن قيل : كيف سوّى الهدهد بين عرشها وعرش الله تعالى في الوصف بالعظم حتى قال : (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) [النمل : ٢٣] ، وقال : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [النمل : ٢٦]؟
قلنا : بين الوصفين بون عظيم ؛ لأنّه وصف عرشها بالعظم بالنسبة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك ، ووصف عرش الله تعالى بالعظم بالنسبة إلى ما خلق من السموات والأرض وما بينهما.
[٨٠١] فإن قيل : قوله تعالى : (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) [النمل : ٢٨] إذا تولى عنهم ، فكيف يعلم جوابهم؟
قلنا : معناه ثم تول عنهم مستترا من حيث لا يرونك فانظر ما ذا يرجعون.
الثاني : أن فيه تقديما وتأخيرا تقديره : فانظر ما ذا يرجعون ثم تول عنهم.
[٨٠٢] فإن قيل : كيف استجاز سليمان عليهالسلام تقديم اسمه في الكتاب على اسم الله تعالى حتى كتب فيه (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [النمل : ٣٠].