قلنا : الإخراج يستعمل بمعنى المنع عن الدّخول ؛ يقال لمن امتنع عن الدّخول في أمر خرج منه ، وأخرج نفسه منه ؛ وإن لم يكن دخل فيه. فعصمة الله تعالى المؤمنين عن الدخول في ظلمات الضّلال إخراج لهم منها ، وتزيين قرناء الكفار لهم الباطل الّذي يصدّونهم به عن الحقّ إخراج لهم من نور الهدى. ولأنّ إيمان رؤساء أهل الكتاب بالنّبيّ ، عليه الصلاة والسلام ، قبل أن يظهر ، كان نورا لهم ؛ وكفرهم به ، بعد ظهوره ، خروج منه ، إلى ظلمات الكفر. ولأنّه لما ظهرت معجزاته ، عليه الصلاة والسلام ، كان موافقه ومتّبعه خارجا من ظلمات الجهل ، إلى نور العلم ؛ ومخالفه خارجا من نور العلم ، إلى ظلمات الجهل.
[٦٦] فإن قيل : كيف انتقل إبراهيم ، صلىاللهعليهوسلم ، إلى حجّة أخرى ، وعدل عن نصرة الأولى ؛ مع أنّه لم ينقطع بما عارضه به نمرود ، من قتل أحد المجوسيين وإطلاق الآخر ؛ فإن إبراهيم ، صلىاللهعليهوسلم ، ما أراد هذا الإحياء والإماتة؟
قلنا : إمّا لأنّه رأى خصمه قاصر الفهم عن إدراك معنى الإحياء والإماتة التي أضافها إبراهيم ، صلىاللهعليهوسلم ، إلى الله ؛ حيث عارض معارضة لفظيّة ، وعمي عن اختلاف المعنيين ؛ أو لأنّه علم أنّه فهم الحجّة ، لكنّه قصد التمويه والتلبيس على أتباعه وأشياعه ؛ فعدل إبراهيم إلى أمر ظاهر يفهمه كلّ أحد ، ولا يقع فيه تمويه ولا تلبيس.
[٦٧] فإن قيل : كيف طبع الله على قلبه ، فلم يعارض بالعكس ، في طلوع الشمس؟
قلنا : لأنّه لو عارض به لم يأت الله بها من المغرب ، لأن ذلك أمارة قيام الساعة فلا يوجد إلا قريبا من قيامها ، ولأنّه وأتباعه كانوا عالمين أنّ طلوعها من المشرق سابق على وجوده ، فلو ادّعاه لكذّبوه.
[٦٨] فإن قيل : كيف قال عزير ، عليهالسلام ، منكرا مستبعدا : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) [البقرة : ٢٥٩] ، وهو نبيّ ؛ والنبيّ لا تخفى عليه قدرة الله تعالى على إحياء قرية خربة وإعادة أهلها إليها؟
قلنا : ما قاله منكرا مستبعدا لعظيم قدرة الله تعالى ؛ بل متعجّبا من عظيم قدرته تعالى أو طلبا لرؤية كيفيّة الإعادة ؛ لأنّ أنّى بمعنى كيف ، أيضا. وقد نقل عن مجاهد أنّ المارّ على القرية القائل ذلك كان رجلا كافرا شاكّا في البعث ؛ وإن كان الأوّل هو المشهور.
__________________
[٦٨] مجاهد بن جبير ، أبو الحجاج المكّي ، مولى بني مخزوم. تابعي ، مفسّر. أخذ التفسير عن ابن عباس. ولد سنة ٢١ ه وتوفي ١٠٤ ه. غير أنهم طعنوا في آرائه في التفسير ، لاتهامه بأنه يأخذ عن أهل الكتاب.