[٦٩] فإن قيل : كيف قال الله تعالى لإبراهيم عليهالسلام : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) [البقرة : ٢٦٠] ؛ وقد علم أنه أثبت الناس إيمانا؟
قلنا : ليجيب بما أجاب به ؛ فتحصل به الفائدة الجليلة للسّامعين من طلبه لإحياء الموتى.
[٧٠] فإن قيل : كيف يجوز أن يكون النبيّ غير مطمئن القلب بقدرة الله على إحياء الموتى ؛ حتّى قال إبراهيم : (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ) [البقرة : ٢٦٠] ؛ مع أنّ قلبه مطمئن بقدرة الله على الإحياء؟
قلنا : معناه ليطمئنّ قلبي بعلم ذلك عيانا ، كما اطمأنّ به برهانا ؛ أو ليطمئنّ بأنّك اتّخذتني خليلا ؛ أو بأنّي مستجاب الدّعوة.
ولقائل أن يقول : على الوجه الأول ، كيف يزداد يقينا بالمشاهدة ، وقد روي عن علي ، كرّم الله وجهه ، أنّه قال : «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» ، وإبراهيم صلوات الله عليه وسلامه أعظم رتبة وأجلّ؟
وجوابه : أنّ عليّا أراد بذلك قوّة يقينه قبل العيان ؛ حتّى كأنّ الزّيادة الحاصلة له بالعيان يسيرة لا يعتدّ بها.
[٧١] فإن قيل : فما فائدة قوله : (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) [البقرة : ٢٦٠] أي فضمّهنّ ، ولفظ الأخذ مغن عنه؟
قلنا : الفائدة فيه تأمّلها ، ومعرفة أشكالها وصفاتها ؛ لئلّا يلتبس عليه بعد الإحياء فيتوهّم أنّه غيرها.
[٧٢] فإن قيل : كيف مدح الله المتّقين بترك المنّ ؛ ونهى عن المنّ ، أيضا ، مع أنّه وصف نفسه بالمنّان ، في نحو قوله تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٦٤].
قلنا : منّ بمعنى أعطى ؛ ومنه المنّان في صفات الله تعالى. وقوله : (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ) ؛ وقوله : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٦٤] ، أي أنعم عليهم ؛ وقوله : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) [محمد : ٤] ، أي إنعاما بالإطلاق ، من غير عوض ؛ ومنّ بمعنى اعتد بالنّعمة ، وذكرها ، واستعظمها ؛ وهو المذموم.
[٧٢ م] فإن قيل : قوله : تعالى : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) [الحجرات : ١٧] من القسم الثاني.
قلنا : ذلك اعتداد بنعمة الإيمان ؛ فلا يكون قبيحا ؛ بخلاف نعمة المال. ولأنه يجوز أن يكون من صفات الله تعالى ما هو مدح في حقّه ، ذمّ في حقّ العبد ، كالجبّار ، والمتكبّر ، والمنتقم ، ونحو ذلك.